تحالف المنظمات غير الحكومية من أجل البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يؤكد أن تحقيق التنمية المستدامة يقتضي تفعيل المساءلة

تاريخ النشر: 
الاثنين, 1 أغسطس, 2016

لا بدّ أن تُستكمل أهداف التنمية المستدامة الطوعية الطابع والتي تمثل إلتزاما سياسيا جديدًا تعهدت به الدول، بمساءلة حقيقية حول مدى الامتثال للالتزامات الحالية بحقوق الإنسان. كانت هذه الرسالة الأولى التي وجهها تحالف المنظمات غير الحكومية من أجل البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وآخرون من المتحدثين في خلال حدث جانبي في الأمم المتحدة نُظم تحت عنوان "إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تنفيذ جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة،" بتاريخ 13 تموز/يوليو 2016. 

دعم تحالف المنظمات غير الحكومية ممثًلا بأرئيلي ساندوفال (الإدارة الذاتية لأجهزة التنمية والتعليم والثقافة، المكسيك) وكريس غروف (الأمانة العامة للشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) الحدث الجانبي الذي نظمته الأمم المتحدة، وشارك في رعايته بعثتا الأوروغواي والبرتغال الدائمتان، وتشارك رئاسته مجموعة أصدقاء الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحظي بدعم المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومشاركة إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة.

تزامن هذا الحدث مع انعقاد المناقشة المواضيعية الرفيعة المستوى بشأن حقوق الإنسان في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي أحاطت علمًا بالذكرى السنوية الخمسين للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فضلًا عن الذكرى السنوية الثلاثين لإعلان الحق في التنمية. كذلك نُظم هذا الحدث أثناء انعقاد الاجتماع الأول للمنتدى السياسي الرفيع المستوى للأمم المتحدة المعني بالتنمية المستدامة بعد اعتماد جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة الذي وضعته الأمم المتحدة، والذي سيشمل مراجعات طوعية من 22 بلدًا. 

إن أهداف التنمية المستدامة تُمثل في نهاية المطاف الالتزامات الطوعية، وذلك حسبما جاء على لسان الأمين العام المساعد لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة، توماس غاس. واستكمالًا لهذه الأهداف السياسية، توفر المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان الإطار القانوني لالتزامات الدول الحالية والتي تُعد أساسية لتفعيل عملية المساءلة.

أكد تحالف المنظمات غير الحكومية في تعليقاته الافتتاحية أن التصديق على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي يضمن فرصة الوصول إلى العدالة على المستوى الدولي متى ما كانت سبل الانتصاف المحلية غير متاحة، يُمثل خطوة هامة يتعين على كل الدول اتخاذها من أجل الوفاء بالهدف رقم 16 من أهداف التنمية المستدامة، الذي ينص على " التشجيع على إقامة مجتمعات مسالمة لا يُهمش فيها أحد من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وإتاحة إمكانية وصول الجميع إلى العدالة، وبناء مؤسسات فعّالة وخاضعة للمساءلة وشاملة على كل المستويات."

كما شدد تحالف المنظمات غير الحكومية الذي يضم ما يزيد على 300 منظمة من منظمات المجتمع المدني في أكثر من 30 دولة، على ضرورة تفسير أهداف التنمية المستدامة وفقًا للالتزامات الحالية الأوسع التي ينبغي احترامها وحمايتها والوفاء بها والتي أبدت الأغلبية العُظمى موافقتها عليها منذ وقت طويل.

وبينما تسعى الدول للوفاء بهذه الالتزامات، قدّمت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من الهيئات المنشأة بموجب معاهدات توجيهات قيّمة للدول، من بينها تلك الواردة في الفقرة الأولى في المادة الثانية من العهد الدولي. إذ تشدد هذه المادة على أن تتخذ كل دولة بمفردها وعن طريق المساعدة والتعاون الدوليين، لا سيما على الصعيدين الاقتصادي والتقني، وبأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة، ما يلزم من خطوات لضمان التمتع الفعلي والتدريجي بالحقوق المعترف بها في هذا العهد، سالكة كل السبل المناسبة..." . بعد ذلك تُناقش الفقرة الثانية في المادة الثانية ضمان هذه الحقوق "من غير تمميز من أي نوع كان."

رأى سفير البرتغال مندونسا أي مورا أن كرامة الإنسان يجب أن تكون محور التنمية. ففي حال لم يكن الهدف من التنمية إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وما لم تكن التنمية تحتل صلب الإطار الخاص بهذه الحقوق، لن ننجح قط في تحقيق التنمية المستدامة. أما سفير الأوروغواي روسيلي، فقد أكد ضرورة أن تكون حقوق الإنسان غاية السياسة العامة. في المقابل، يتعذر على الدول ضمان تحقيق التنمية المستدامة من غير مساءلتها عن التزاماتها في مجال حقوق الإنسان. شدد السفيران أيضًا على الدور الحيوي المنوط بالمجتمع المدني في إخضاع الحكومة للمساءلة في المطالبة بإعمال حقوق الإنسان غير القابلة للتصرف. وأبدى ممثلون من فنلندا والأرجنتين وإسبانيا وجهات نظر مماثلة في مداخلاتهم.

تتألف مجموعة الأصدقاء[1] حاليا من 16 دولة وهي تلك التي صدّقت على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهي ملتزمة بتعزيز هذه الحقوق والنهوض بها، مستعينةً بعدة طرائق منها حملات الدعوة التي تستهدف نظيراتها للتصديق على البروتوكول الاختياري. (وهذه الدول هي حاليًا: الأرجنتين، وبلجيكا، وبوليفيا، والبوسنة والهرسك، والرأس الأخضر، وكوستاريكا، والإكوادور، والسلفادور، وفنلندا، وفرنسا، وإيطاليا، ومنغوليا، والجبل الأسود، والبرتغال، وإسبانيا، والأوروغواي). يُذكر أن هذه الدول قد انتقلت في العام الماضي من مجموعة أصدقاء البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي إلى مجموعة أصدقاء الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الأمم المتحدة في نيويورك، وأعلن عن ذلك في خلال هذا الحدث. وفي الوقت عينه، أسهمت حملة الدعوة للتصديق على البروتوكول الاختياري المتواصلة بنشاط وفعالية إلى توسيع نطاق دور مجموعة الأصدقاء ليشمل القيام بحملات المدافعة والدعوة الخاصة بهذه الحقوق في محافل الأمم المتحدة المتنوعة.

وفي سياق متصل بهذا الحدث، كان لمجموعة الأصدقاء في شباط/فبراير من هذا العام مشاركة جماعية في الدورة الرابعة والخمسين للجنة التنمية الاجتماعية في الأمم المتحدة. أكد المشاركون فيها ترابط حقوق الإنسان وتماسكها وعدم قابلتيها للتجزئة وقالوا: "نُرحب ترحيبًا حارًا بجدول أعمال 2030 ونأمل أن يُبرز ضرورة تنفيذه وفقًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، لا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. سيساعدنا منظور حقوق الإنسان على تحقيق هدفنا الذي نطمح إليه والمتمثل بعدم إهمال أي فرد وضمان المساواة في الكرامة للجميع من غير ممارسة أي تمميز من أي نوع كان".

وقد أشار العديد من المتحدثين إلى الرحلة الطويلة انطلاقًا من اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، في أعقاب الخراب الذي خلفته الأزمة الاقتصادية العالمية كاشفًا عن انعدام هائل للمساواة والدمار الناجم عن الحرب العالمية الثانية، وصولًا إلى دخول البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حيز التنفيذ في الخامس من أيار/مايو 2013. وحاليا، يحظى كل من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بتصديق ما يزيد على 160 دولة. ونرى أن الجمعية العامة بتبنيها البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، قد اتخذت خطوة هامة نحو الوفاء بما وعدت به في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان 1993، وذلك عن طريق إنشاء آلية دولية تتيح للأفراد والجماعات إمكانية رفع الشكاوى المتعلقة بالانتهاكات التي تطال حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد اتضح أن هذا الأمر ممكن بدرجة ملحوظة في ما يخص الانتهاكات التي تطال الحقوق المدنية والسياسية بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،ومعاهدات حقوق الإنسان الأخرى، في حال الافتقار إلى سبل الانتصاف على المستوى المحلي. وأصبحت إمكانية اللجوء إلى وسيلة إنتصاف على المستوى الدولي متاحة الآن إذا ما انتهك أي حق من الحقوق المُعترف بها عام 1948 كافة.

ومع ذلك، يقتضي تحقيق ذلك أن تُصدّق الدول على البروتوكول الاختياري وضمان الوصول إلى العدالة في حال عدم احترام حقوق الإنسان أو حمايتها أو الوفاء بها. وفي هذا الإطار، أكد أرئيلي ساندوفال أن مشاركة المجتمع المدني في وضع خطط التنفيذ الوطنية ورصد مدى الامتثال لها عامل حيوي لتحقيق التنمية المستدامة. وعلى نحو مماثل، يعدّ التصديق على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية خطوة حاسمة إذا كانت الدولة ملتزمة فعلًا بتحقيق التنمية المستدامة الهادفة إلى إعمال حقوق الإنسان للجميع.



[1]  تتضمن مجموعة الأصدقاء حاليًا: الأرجنتين، وبلجيكا، وبوليفيا، والبوسنة والهرسك، والرأس الأخضر، وكوستاريكا، والإكوادور، والسلفادور، وفنلندا، وفرنسا، وإيطاليا، ومنغوليا، والجبل الأسود، والبرتغال، وإسبانيا، والأوروغواي.