تمهيداً لقمة التمويل المشترك 2020:

تاريخ النشر: 
الاثنين, 9 نوفمبر, 2020
ممثلو المجتمع المدني من الجنوب العالمي يطلبون استقلالية أكبر، لا تبعية أكبر، من خلال مبادرات التنمية المستدامة

تمثل جائحة كوفيد-19 أكبر تحدي يواجه جيلنا. في حين كشفت عن مشكلات هيكلية بلا حصر، وإخفاقات على مستوى النظم والمؤسسات جراء العولمة، فهي قد أظهرت أيضاً تماسك وتواصل الإنسانية ككل بقدر أكبر.

بينما نُحضّر أنفسنا لمواجهة العواقب الحالية والمجتمعة للجائحة والتغير المناخي والنزاعات والأزمات الاقتصادية، فإننا نثق في قدرة الإنسانية على تجاوز هذه التحديات، من أجل خلق عالم أكثر مساواة واستدامة. وهذا يعني ضرورة وضع استراتيجية متكاملة ومتعددة الجوانب وعادلة للتعافي، من أجل المستقبل.

إن لعالم المال دور مهم يلعبه في هذه العملية. والسؤال الذي نعرضه على المشاركين في قمة التمويل المشترك 2020 هو "كيف سيكون هذا الدور؟ هل ستكونون جزءاً من العملية التحولية العالمية الضرورية لبقاء المجتمعات والنظم البيئية المختلفة، أم هل ستعطلون مسارها؟ هل هناك استعداد للعمل على المساواة بين أجيال الحاضر والمستقبل، أم ستضيع الموارد لإعادة "الوضع القائم" العاجز منذ فترة ما قبل الجائحة؟ كيف تخططون لعملية تعافي تتسم بالمساواة والعدالة والصمود؟ هل الاستثمارات في بنوك التنمية ستكون منحازة إلى اتفاق باريس للمناخ؟ 

إن أول قمة للتمويل المشترك تمثل فرصة لفهم وإعادة تخيل التمويل الإنمائي بشكل من شأنه تطوير النظام العالمي بما يمكن من التعامل مع أوجه الهشاشة والضعف المحتملة. تجمع القمة جميع مكونات وعناصر نظام تمويل التنمية، وهي إذن قادرة على التمكين من نظام لتنسيق السياسات وضم جميع الفاعلين بالمجال المالي.

قال جون مينارد كاينز في 1936: "الأخطاء الهائلة للمجتمع الاقتصادي الذي نعيش فيه حالياً هي الإخفاق في توفير فرص العمل للجميع فضلاً عن توزيع النظام غير العادل والمتعسف للثروة والدخل". وبعد أكثر من 80 عاماً، لا تزال هذه الأخطاء الكبيرة والبيّنة قائمة، مع لعب الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات المالية الكبرى دور مركزي في استمرار هذه المنظومة ومفاقمة مخاطرها. من ثم، فإن الشركات ومؤسسات التمويل تحجب الخير الذي تفعله بالأضرار التي تتسبب فيها بحق الفقراء والمهمشين.

إن التراكم المتسارع للثروة وتوزيعه غير المتساوي أو العادل على مستوى العالم قد أصبح واقعاً أكثر قسوة أثناء انتشار جائحة كوفيد-19. هذه الفجوات الهائلة في الثروة، سواء داخل المجتمعات أو عبر حدود الدول، تقوض كثيراً من استقرار المجتمع البشري في المنظومة العالمية، ومن قدرة الكوكب على تحمّل وجود البشر. وعلى الأرض، أصبحت مجتمعات بلا حصر – من فقراء الريف والحضر، والطبقة العاملة، والشعوب الأصلية، والنساء، والمهاجرين ومعدومي الجنسية – على شفير الهلاك.

وعلى مستوى العالم، وضعت الحكومات خطط وباقات تعافي في فترة ما بعد الجائحة تركز على مشروعات التنمية الهائلة، التي تهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي. على سبيل المثال وزع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي 21 و100 مليار دولار على التوالي، على 81 دولة، رداً على أزمة كوفيد-19، مقابل 2.5 تريليون دولار مطلوبة في الدول النامية. حتى على هذه الخلفية، من أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية، ومن الشرق الأوسط إلى شرق آسيا، تشعر المجتمعات بالرعب. فالضربات السابقة من مشروعات "التنمية" التي اشتملت في حالات كثيرة على الإخلاء القسري وانتهاكات حقوق الإنسان الغاشمة، جعلت الشعوب الأصلية والمجتمعات المهمشة على الأرض تعاني كثيراً الآن من آثار كوفيد-19. نحن الآن بصدد خطر موجة جديدة من مشروعات "التنمية" التي ستهاجم حقهم الأساسي في البقاء. تسونامي من الانتهاكات التي قد تمر دون التفات، مجلوبة على يد بنوك التنمية المجتمعة في قمة التمويل المشترك. كما تواجه المجتمعات في الشمال العالمي تحديات مشابهة، ورغم أن هذه التحديات قد تأخذ أشكالاً مختلفة؛ فآثارها مشابهة للغاية.

لهذا السبب نكتب بمناسبة قمة التمويل المشترك 2020 لمطالبة المؤسسات المالية باستخدام ابتكارها وقوتها ونفوذها بشكل يطوّر مجتمع عالمي أكثر مساواة، بناء على حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية.

إننا نعرف أن هذا التحول يتطلب منّا جميعاً أن نتعاون، عبر الحدود المرئية والخفية. علينا أن نتحرك معاً انطلاقاً من فكرة أن الإنسانية لا يمكن أن تبقى وتستمر بمعزل عن قوانين الطبيعة ككل، حيث كل النظم تسعى للتوازن دائماً. في حين أن مفاهيم مثل القوة/السلطة والربح والمقاومة مفاهيم نسبية، فإن الحسابات وراء التوازن الأمثل مُطلقة غير نسبية. الاقتصاد القادر على التجدد وتجديد الحياة معه، هو الذي يأخذ إلهامه من الرفاه الإيكولوجي والاجتماعي، ولابد أن تكون هذه هي الرؤية.

مثلما أجبرنا كوفيد-19 على تغيير سلوكنا اليومي لتبقى عائلاتنا آمنة، فعلينا أن نغيّر من دفة أنشطتنا الاقتصادية. هذه لحظة غير مسبوقة في التاريخ، تتوفر لنا فيها سبل إحداث هذا التغيير، والوقت المناسب هو الآن.

المسألة هنا مسألة إرادة سياسية، وحكومات ومصارف التنمية العامة عليها بالفعل مسؤولية القضاء على الفقر، لا زيادته وتعميقه. السؤال ليس إن كان اقتصادنا قادر على تحمّل التغيير، إنما هو إذا كان كوكب الأرض والمجتمع البشري يقدران على تحمّل الوضع الراهن.