بيان مطالب أعضاء الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى صندوق النقد الدولي اجتماعات الربيع 2021

تاريخ النشر: 
الثلاثاء, 30 مارس, 2021

 

يواجه العالم واحداً من أصعب تحدياته، فها هي الجائحة قد كثفت الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية في جميع السياقات تقريباً، وزادت اللامساواة ويسرت الجائحة من استمرار التكاسل عن التحرك إزاء التغير المناخي، وعرضت حقوق الناس للخطر في شتى أنحاء العالم. إن جائحة كوفيد-19 قد شددت وفاقمت بشكل خاص من الإخفاقات طويلة الأجل في المنظومات الصحية والنظم الاجتماعية والاقتصادية، وهي تحتاج إلى إعادة تفكير جذري في ممارسات واشتراطات صندوق النقد الدولي، التي لطالما أسهمت في تلك الإخفاقات.

لقد دأب صندوق النقد الدولي على فرض إصلاحات في السياسات نيوليبرالية الطابع، في خضم أزمات الديون المتجذرة في اللامساواة العالمية والتركات الاستعمارية الثقيلة. هذه الإصلاحات الهيكلية أوهنت من حقوق العمال وتدابير الحماية الاجتماعية، وأدت إلى الخصخصة وتسليع الاحتياجات الأساسية، وقوضت من السيادة الغذائية وعززت نظم الضرائب غير العادلة، وفرضت التقشف على الأغلبية، وأدت إلى الإفقار والاستلاب وتزايد اللامساواة، لا سيما بالنسبة للنساء، اللائي يواجهن أعباء غير متناسبة تتمثل في أعمال الرعاية في العديد من المجتمعات، مع كثرتهن في قطاعات العمل غير الرسمي وغير الثابت.

في الإكوادور، فرض صندوق النقد الدولي إجراءات تقشف[1] كشرط للمساعدة. هذه الاشتراطات المرتبطة بقرض بمبلغ 4.2 مليار دولار، فرض بموجبها صندوق النقد الدولي وحكومة الإكوادور اقتطاعات كبيرة في الميزانية، وتقليل للرواتب وفصل من العمل، مقابل تقديم مساعدات مالية للحكومة. مع عصف الفقر والبطالة بالبلاد، فاقم كوفيد-19 أكثر من الوضع، إذ قتل آلاف الناس وأنهى قدرة الملايين على كسب الدخل. ترتبط نتائج كوفيد-19 المأساوية مباشرة بإصلاحات التقشف المرتبطة بقرض الصندوق. على سبيل المثال، أدت مساعدات الصندوق المالية واشتراطاتها إلى فصل 3680 شخصاً من العمل كانوا يعملون بقطاع الصحة العامة.

في حالة لبنان، هناك مفاوضات جارية تُعرض خلالها إجراءات التقشف كشرط للقرض. إذا فرض صندوق النقد الدولي إجراءات التقشف خاصته في لبنان، بناء على الدمج المالي في هذه الحالة أيضاً، فسوف يؤدي إلى ضرر لا إلى تحسن في الأحوال، لا سيما بالنسبة إلى الأكثر عرضة للضرر من الناس. طبقاً لدراسة صادرة عن أوكسفام، فإن 10% من السكان يملكون نحو 70.6% من ثروات لبنان.[2] من ثم، فأي تنفيذ لأي من هذه التدابير لن يؤدي إلا لزيادة الفجوة القائمة. هذه الطريقة في "الإنقاذ المالي" تتجاهل الرفاه على المدى البعيد، والمساواة الجندرية وتؤدي إلى زيادة معدلات الفقر، وترفع من تكاليف المعيشة.[3] سوف يؤدي هذا إلى مزيد من تدهور حقوق الإنسان في الدولة، وأيضاً عدم القدرة على إعمال الاحتياجات الإنسانية الأساسية مثل الغذاء والسكن.

مع قدوم الجائحة، أعد أعضاء الشبكة العالمية معاً "دعوة عالمية للعمل"، وبها مجموعة مطالب من أجل عملية تعافي عادلة وضامنة للمساواة ومستدامة، تركز على حقوق الإنسان وتحويل البنى الاقتصادية والاجتماعية غير العادلة، والسياسات والمؤسسات غير المنصفة، بما يشمل إلغاء الديون والتنسيق العالمي من أجل سياسات ضريبية عادلة. كما وقع عدة أعضاء رسالة علنية موجهة إلى صندوق النقد الدولي لرفض أية مقترحات بدعم التقشف فيما بعد الجائحة، ونصحوا الصندوق بأن يدافع عن سياسات تُعلي من العدالة الجندرية وتقلل اللامساواة وتضع الناس والكوكب على رأس الأولويات.

بصفتنا منظمات حقوقية من جميع مناطق العالم،[4] نمثل ونتحالف مع المجتمعات المتضررة ونقاوم الأزمات المتقاطعة المذكورة أعلاهن، فإننا نطالب صندوق النقد الدولي بما يلي:

إلغاء وإعادة هيكلة الديون للدول متدنية ومتوسطة الدخل

● إيقاف الترويج للدمج المالي، لا سيما إجراءات الاقتطاع من الميزانية بالنسبة للدول التي تعاني بالفعل من مستويات متدنية للغاية من الإنفاق. تُظهر دراسة جديدة لأوكسفام أن 84% من قروض صندوق النقد المتصلة بكوفيد-19 تدفع بإجراءات التقشف التي قد تضر بالإنفاق على الصحة والحماية الاجتماعية (أوكسفام، 2020).[5] يتم فرض هذا الأمر بشكل عام على الدول الأفقر، بينما يُسمح للدول الأكثر ثراء بعبور الأزمة من خلال التوسع الكبير في سياساتها النقدية والمالية.

● إلغاء الدين بمبلغ 3.77 مليار دولار (أو أكثر من 10 مليون دولار يومياً) المستحق لصندوق النقد الدولي هذا العام من الدول الـ 73 الأفقر في العالم، والغالبية العظمى منها تنفق على رد الدين أكثر مما تنفق على الصحة. هذا المبلغ سيمثل إغاثة قوية للدول المدينة، لكنها ضئيل نسبياً بالنسبة إلى نطاق عمليات صندوق النقد. على سبيل المثال، تعهد صندوق النقد بمبلغ 160 مليار دولار تمويل طوارئ للرعاية الصحية والحماية الاجتماعية.

● اعتماد باقة الإغاثة الشاملة من الديون التي اقترحتها الـ UNCTAD.[6]

● مطالبة جميع الحكومات بأن تضم "بنود العمل الجماعي CAC" إلى كافة عقودها المالية من أجل مساعدة الدول في تخفيف أعباء الديون في هذه الأوقات الصعبة. لقد شجع باحثو صندوق النقد الدول على ضم بنود العمل الجماعي إلى عقودها المالية. هذه البنود تسمح للغالبية العظمى من حملة الأسهم بالاتفاق على إعادة هيكلة الدين بشكل ملزم قانوناً لكافة حملة السهم أو السند المالي، بما يشمل من صوتوا ضد إعادة الهيكلة. هذا من شأنه أن يسمح للدول بإيقاف تسديد الديون في حالة الأزمات الاقتصادية والكوارث. لابد أن تسمح المؤسسات المالية الدولية للدول بأن تدشن – بشكل أحادي أو جماعي – عملية تعليق تسديد الديون، إذا كانت بحاجة إلى مساحة مالية لتمويل خطط التعافي المالي بسبب الجائحة.

إعلاء أولوية حقوق الإنسان والحماية الاجتماعية في الخطط والبرامج

● ضمان تقديم التمويل والضمانات والإرشاد للدول، بإعلاء حقوق الإنسان وحماية البيئة وتعزيز الانتقال العادل والمنصف نحو مرحلة "صفر كربون" وتبني اقتصاد متجدد يعتمد على مبدأ الرعاية.

● تنفيذ سياسات اقتصادية ضد-دائرية، تتجاوز الغر الوحيد المتمثل في تقليل الديون والدمج المالي، مع التركيز على إعادة التوزيع وفرض نظام حماية اجتماعية أساسي.

● وضع آليات للتعاون مع المجتمع المدني والأطراف المحلية غير الحكومية الأخرى لتقديم الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، لا سيما حيث توجد نزاعات أو حيث قامت حكومات قمعية بمهاجمة و/أو تقويض الموارد المجتمعية، لحماية الأمن المعيشي والصحة العامة للناس.

● إعادة تقييم كفاءة القروض وضمان حماية حقوق المجتمعات والبيئة، وحماية المجال المدني.

● وضع تدابير حماية اجتماعية أقوى ضمن "الأعمال المسبقة" في برامج صندوق النقد الدولي. رغم وجود ذِكر بوتيرة أكبر للنمو الشامل للجميع والحماية الاجتماعية في برامج الصندوق، فإن الصندوق لا زال بحاجة إلى إزاحة إجراءات التقشف من قائمة "الأعمال المسبقة" التي يجب تنفيذها قبل أن يوافق مجلس الإدارة على البرامج، في حين تُعامل الحماية الاجتماعية بصفتها "مرجعية هيكلية" أقل إلزاماً بكثير من التقشف.

● رصد ومراقبة مشروعات القطاع الخاص والعام لضمان احترام حقوق الإنسان والعمل والمعايير البيئية، وتوضيح أن التنكيل أو التمييز على حرية التجمع أو تكوين الجمعيات أو الآراء السياسية أمر لن يتم تقبله.

● إشراك الشركات في مشروعات الصندوق عبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص يجب تقييمه على مستوى ممنهج يتجاوز التقييم في كل مشروع على حدة، فيما يخص مسألة إضافة أنشطة عالمية وضمان الامتثال بحقوق الإنسان.

● على صندوق النقد الدولي أن يطور عملية لإيلاء العناية الواجبة أفضل من المتوفر، بالنسبة للشركات المشاركة مع الحكومات لضمان ألا تسهم في تعميق حالات النزاع، بما يشمل حالات الاحتلال.

تجنب السياسات التي تعمق من الإفقار واللامساواة

● الامتناع عن ممارسة الضغوط على الدول متدنية ومتوسطة الدخل لكي تخفض قيمة عملتها. مع تزايد الضغوط على العملات المحلية مقابل الدولار، تظهر الحاجة لدى الدول متدنية ومتوسطة الدخل إلى إدارة سعر الصرف من أجل إنقاذ سبل كسب الدخل بالنسبة لأغلب سكانها. خفض قيمة العملة قوة محركة لتزايد معدلات الفقر والجوع. كما يؤدي هذا إلى مزيد من أوجه اللامساواة بين أقلية عالمية من "حملة الدولار" وأغلبية من "المحرومين من الدولار". بدلاً من فرض إجراءات خفض قيمة العملة كشرط مسبق على القروض، يجب أن تشمل باقة الإغاثة من الدين تخفيف الضغوط على سعر الصرف.

● شرعنة التدابير الرأسمالية وسياسات إعادة التقييم بموجب البند 4. في لبنان على سبيل المثال، يجب أن يشمل هذا عكس اتجاه ما تم فرضه من متطلبات للاحتياطي الأجنبي وزيادة سعر الصرف، مقترناً بمراجعة قانونية لبنك لبنان، فضلاً عن تنفيذ تدابير رقابة رأسمالية على باقي المصارف التجارية.

● الإجراءات التي تبناها صندوق النقد الدولي يجب أن تُمارس بشكل يتيح سقوط عبء التقشف على أكتاف الأثرياء، وليس على المتضررين الذين يعيشون في حالة من الفقر بالفعل. وعلى وجه التحديد، يجب تنفيذ سياسات الضرائب التصاعدية، بدلاً من فرضها بشكل مجحف. كما أن أية اقتطاعات من المساعدات والدعم للشعوب يجب أن تكون مقترنة بخطط إصلاح موسعة تضمن مستوى معيشة لائق.

الإدارة الديمقراطية والمستجيبة، وهياكل التواصل بين الأطراف

● يجب التخطيط وتقديم الدعم للإدارة الديمقراطية والشفافية والمشاركة، بما يشمل المزيد من التواصل الفعال مع المجتمعات المتضررة ومنظمات المجتمع المدني ذات الصلة، بما يشمل المشاركة في حوار مستمر بين الأطراف المتصلة بالبرامج المدعومة من صندوق النقد الدولي.

● في الدول التي شهدت استيلاء بالقوة على السلطة مؤخراً، مثل ميانمار أو مالي، يجب وقف التزامات الإقراض القائمة فوراً وتجميد تسديد الأقساط والهبات والقروض في كافة العمليات السيادية وغير السيادية، إلى أن يتأكد بشكل قاطع أن هذا لا يؤدي إلى شرعنة الحكم العسكري.


[1] انظر: IMF austerity is strangling Ecuador – again

[2] انظر: The IMF and Lebanon: A Long Road Ahead

[3] انظر: An IMF bailout for Lebanon can make things worse

[4] الشبكة العالمية تربط أكثر من 280 منظمة مجتمع مدني وحركة اجتماعية ومناصرين للحقوق من أكثر من 75 دولة من أجل بناء حركة عالمية لإتاحة حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية للجميع. هذه الرسالة تم تطويرها عبر مناقشات مع أعضاء الفريق العامل المعني بالسياسات الاقتصادية في الشبكة العالمية، ونتقدم بجزيل الشكر للأعضاء المذكورين أدناه الذين تولوا عملية صياغة الرسالة: مركز فينكس، شبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية، ALTSEAN – بورما، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، مركز الحق، مرصد حقوق المرأة الدولي – آسيا الباسيفيك، أسامة دياب، وهو عضو فرد، ومركز الدراسات القانونية والاجتماعية (CELS).

[5] انظر: https://www.oxfam.org/en/press-releases/imf-paves-way-new-era-austerity-post-covid-19

[6] "في مواجهة التسونامي المالي المقبل هذا العام، تقترح UNCTAD استراتيجية رباعية المحاور للبدء في ترجمة التضامن الدولي إلى فعل ملموس:

1. أولاً، حقن 1 تريليون دولار نقداً، بمثابة مروحية إغاثة تسقط النقود على من خُلفوا دون مساعدة، عبر إعادة توزيع حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي وإضافة مخصصات جديدة يجب أن تتجاوز بكثير حد مخصصات 2009 الذي تم إعداده للتعامل مع الأزمة المالية العالمية حينئذ.

2. ثانياً، إعفاء من الديون للاقتصادات المتعثرة. إحداث تجميد فوري على رد الديون السيادية، والتي يجب أن يعقبها إعفاء كبير من الديون. المرجعية المحتملة هنا هي الإعفاء من الديون الألمانية، بعد الحرب العالمية الثانية، وبموجبه تم إلغاء نصف الديون المستحقة على ألمانيا. بموجب هذا الإجراء، يجب إلغاء 1 تريليون دولار هذا العام تحت إشراف هيئة مستقلة.

3. ثالثاً، خطة مارشال للتعافي الصحي بتمويل من بعض بنود المساعدات التنموية الرسمية المفقودة التي ظهرت وعود بها ولم يقدمها بعد شركاء التنمية. تقدر UNCTAD أن هناك 500 مليار دولار إضافية – ربع المساعدات الموعودة غير المستوفاة العقد الماضي – في هيئة هبات، يجب أن تخصص لخدمات الرعاية الصحية الطارئة وما يتصل بها من خدمات إغاثة اجتماعية.

4. أخيراً، يجب إعطاء الرقابة على رأس المال مكانه المشروع في أية منظومة سياسات للحد من تدفق رأس المال خارج الدول، لتقليل أزمات السيولة المالية التي تؤدي إليها عمليات البيع الموسعة في أسواق الدول النامية، ولتقليل الانحدار في أسعار العملة والأصول. انظر: UNCTAD. 2020. “UN calls for $2.5 trillion coronavirus crisis package for developing countries.” UN calls for $2.5 trillion coronavirus crisis package for developing countries.