أعضاء وحلفاء الشبكة العالمية يطالبون منظمة التجارة العالمية بالكف عن التجارة بحياتنا

تاريخ النشر: 
الاثنين, 20 ديسمبر, 2021

منذ بداية الجائحة، دأب أعضاء الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على المطالبة بعملية تعافي عادلة ومنصفة، مع المطالبة عبر دعوة التحرك العالمية بأن تقوم الدول والهيئات الدولية بالرد فوراً على حالة طوارئ الصحة العامة القائمة وأن تلجأ إلى تحركات جذرية كفيلة بإحداث تحولات، من شأنها أن تقودنا إلى وضع طبيعي جديد يضرب بجذوره في العدالة والتحول الراديكالي. لقد أظهرنا الحاجة إلى إنهاء هيمنة الشركات على منظوماتنا الصحية، ودعونا حملة ولايات الإجراءات الخاصة بالأمم المتحدة إلى التحرك العاجل، وتقدمنا بشكاوى حقوقية لدى هيئات الأمم المتحدة المنشأة بموجب معاهدات، ونشتبك في تحركات قانونية ضد حجب الدول للتنازل عن حقوق الملكية "تريبس" فيما يخص اللقاحات. لكن رغم هذه الباقة العريضة من التدخلات الخاصة بالمناصرة، فلا زلنا نشهد ونتعرض إلى استمرارية الطوارئ الصحية العالمية التي تستمر في تعميق اللامساواة وفي تكثيف الظلم العالمي.

في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، قبل أسبوع من مؤتمر منظمة التجارة العالمية الوزاري المقرر حينئذ، نظمت الشبكة العالمية تجمهراً عالمياً عبر الإنترنت وندوات تثقيفية ذات صلة، شاركت في استضافتها "حركة معمل القانون" و"أطباء بلا حدود" و"تحالف اللقاح الشعبي". وبفضل نشاط لجنة التخطيط،[1] ونشاط ديبي ستوهارد (ALTSEAN بورما)، وتدخلات قوية من 25 عضواً وحليفاً، سلط التجمهر الضوء على القوى المؤسسية التي تطيل من أمد الجائحة، وآثاره على المجتمعات التي تواجهه، والتحركات العاجلة التي تم اتخاذها في الكفاح من أجل العدالة الصحية.

انضم نحو 200 عضو وحليف للشبكة العالمية معاً لترديد أصوات مجتمعاتنا التي تضررت بشكل كبير باللامساواة التي فاقم منها رفض منظمة التجارة العالمية تمرير تنازل فعال وشامل فيما يخص حقوق الملكية الفكرية (تريبس) فيما يخص لقاحات وعلاجات كوفيد-19.

هيمنة الشركات على نظمنا الصحية: كنا هنا من قبل!

منذ بدايتها، كانت منظمة التجارة العالمية مصممة لخدمة أغراض ومصالح الطبقة الإمبريالية الرأسمالية، إذ أعلت أولوية جني الأرباح على إعمال حقوق الإنسان. كما أوضح إزرا طلعت (جذور المساواة باكستان و APWLD): "منظمة التجارة العالمية تشبه أخطبوط يعتصرنا ويعتصر دخلنا ومواردنا وصحتنا". وفي القلب من حقوق الملكية الفكرية، يقع اتفاق "تريبس" القائم من أجل السيطرة على كل التقدم والابتكار العلمي لغرض واحد، هو توليد الربح من المعرفة. من غير المدهش أن تطورات أعمال المنظمة واتفاقاتها (وتشمل تريبس) تشكلت بقوة وتأثرت كثيراً بتدخلات قطاع الأعمال التجارية والشركات، بما يشمل صناعة العقاقير الطبية. وبسبب هيمنة الشركات على منظوماتنا الصحية وكذلك هيمنة المؤسسات الدولية، فإن شركات مثل فايزر (التي تعارض التنازل عن حقوق تريبس بقوة) مارست نفوذاً وضغوطاً كبيرة أثناء تشكيل منظمة التجارة العالمية، وهي قوة محركة كبيرة وراء ضم حقوق الملكية الفكرية إلى المفاوضات التجارية.[2] عمقت هذه السياسات من فكرة أن الرعاية الصحية سلعة، ومن ثم أدت إلى كم هائل من الاستغلال والمعاناة، وهذه السياسات مسؤولة حرفياً عن خسارة أرواح الملايين من الناس.

وفي حين قد تكون الجائحة غير مسبوقة من عدة أوجه، فإن هذا الكفاح بحثاً عن الأدوية واللقاحات في الجنوب العالمي ليس بالجديد. شاركت سيبونغيلي تشابالالا (حملة العلاج، جنوب أفريقيا) قصتها الشخصية فيما يخص المعاناة من مرض الإيدز وتحدثت عن الكفاح من أجل الأدوية الفيروسية في جنوب أفريقيا. بعد كفاح مطول من أجل الحصول على الأدوية الفيروسية في الجنوب العالمي، وبعد وفيات كثيرة كان يمكن تلافيها، اضطرت الشركات الدوائية الكبرى في النهاية إلى إلغاء معوقات براءات الاختراع التي تعترض تطوير وصناعة أدوية الإيدز بسعر مقبول، ما أدى إلى تغيرات إيجابية كبيرة فيما يخص ملايين المصابين بالفيروس. وفي 2001، تم اعتماد إعلان الدوحة من قبل منظمة التجارة العالمية، واحتُفي به كخطوة مهمة نحو إنهاء عدوى الإيدز، مع ضمان ألا يتداخل اتفاق تريبس مع قدرات الدول على حماية الصحة العامة. لكن بدلاً من أن تهيئ تلك اللحظة الفارقة لإجراءات جديدة في الكفاح من أجل العدالة الصحية، استمرت الصناعة الدوائية والدول الغنية في "العمل على تقويض ضمانات الصحة العامة"، كما قالت لينا مينغاي (أطباء بلا حدود).

إن السياسات التجارية الخاصة بمنظمة التجارة العالمية متسقة مع النيوليبرالية، حيث سياسات إعادة الهيكلة والخصخصة التي دعت إليها المؤسسات المالية الدولية، إلى عدم قدرة العديد من النظم الصحية المجتمعية على ضمان إتاحة الرعاية الصحية للجميع في مواجهة الجائحة العالمية. في تونس، حوّلت خدمات الرعاية الصحية المخصخصة هذا الحق الأساسي إلى "رفاهية لا يقدر عليها إلا قلة" كما أوضحت نجوى بكار (ِATFD، تونس). وكما أوضح دان أوالو (حركة صحة الشعوب، كينيا): "كشفت الجائحة عن أن الرأسمالية غير مستدامة وغير متسقة مع المساواة وحقوق الإنسان".

هذا النظام الرأسمالي الكولونيالي الذي يعلي أولوية الأرباح على الأرواح، سمح بمستويات فلكية من الأرباح لصالح حفنة من الشركات. بحسب تحالف اللقاح للشعوب، فإن أكبر ثلاث شركات منتجة للقاح، فايزر وبيو-ن-تيك ومودرنا، تجني مجتمعة 1000 دولار في الثانية الواحدة.[3] على أن هذه الأرباح هي نتيجة مباشرة لبحوث بتمويل حكومي وجهود تنموية عامة، كما أوضحت أليخاندرا سكامبيني (بودير، المكسيك). لكن أعضاء الشبكة العالمية يتحدون ظاهرة هيمنة الشركات، ويستعينون بأدوات تثقيفية عامة مثل "السلسلة المصورة القوة لـ 99%" في توعية المجتمعات. وفي كولومبيا شاركت مارثا غريسالس (لجنة الدفاع عن الحياة) كيف قاموا بربط جهودهم مع المجتمع حول كيف أثرت النخب الاقتصادية على مساحات صناعة القرار الإقليمية والوطنية والدولية.

التغيير، وليس العمل الخيري: الكفاح من أجل إنهاء الأبارتيد في توزيع اللقاح

إن الآثار الشديدة وغير المتناسبة للجائحة على المجتمعات في الجنوب العالمي، وعلى المجتمعات الفقيرة والطبقات العاملة، ومجتمعات السود والملونين، والنساء والمقمومين جندرياً، وعلى المتضررين من الحروب والفساد وغيرهم الكثيرين المستبعدين من طاولات صناعة القرار، هي آثار لا يمكن إنكارها. كما أوضحت ألانا كامبابازي (ISER، أوغندا) "النظام منهار ونحن في الجنوب العالمي نعرف هذا منذ وقت طويل". للأسف، بالنسبة لمجتمعات عديدة، فإن الجائحة ليست إلا عقبة جديدة في طريق الكفاح من أجل العدالة. في فلسطين، سلط عاصم يونس (الميزان، فلسطين) الضوء على العقبات العديدة التي تواجه سكان غزة، الذين يحرمون من الرعاية الصحية الأساسية بسبب أبارتيد اللقاح وأبارتيد إسرائيل. كما أن الآثار غير المتناسبة عل النساء بكل تنوعاتهن محسوسة أيضاً كما أوضحت ماندي موداريكوا (مركز القانون النسائي، جنوب أفريقيا) "الجندر لا يزال محدداً أساسياً للصحة في جميع دول العالم... لأن النساء يعتبرن في الأغلب الأعم مقدمات للرعاية".

من الواضح تماماً أنه حتى تتمتع جميع المجتمعات بحقوقها في اللقاحات الآمنة والفعالة، والأدوية ذات الصلة والاختبارات وغيرها من العلاجات المهمة، فلن تنتهي هذه الجائحة إطلاقاً. إن لدى دول الجنوب العالمي القدرة[4] على إنتاج اللقاحات على نطاق واسع، لكن تمنعها من ذلك الدول الغنية في الشمال العالمي، وتحول دون انتفاعها من معارفها وخبراتها. كما قالت أنا كايستور أريندار (بروغريسف الدولية) عبر مثال محاولة بوليفيا استخدام آلية التراخيص الإلزامية لإنتاج اللقاحات عبر اتفاق مع مصنع اللقاح الكندي، بيولايس، إذ قامت الحكومة الكندية بعرقلة هذا الاتفاق.[5]

على أن الشبكة العالمية ومعها الشركاء، تتحدى تحركات الدول من قبيل كندا عبر جهود التقاضي الداخلي وتطالب بأن تفي بالتزاماتها بمجال حقوق الإنسان بموجب القانون الدولي، من حماية للحق في الصحة. كما أوضحت ميريام ساغ-ماب (ECCHR، ألمانيا) فإن المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تؤكد على الحق الأساسي في الصحة. إضافة إلى المذكور، فقد تقدم الأعضاء بشكاوى أمام هيئات الأمم المتحدة المنشأة بموجب معاهدات، ومنها لجنة القضاء على التمييز العنصري، للمطالبة بأن تطالب اللجنة الدول بدعم التنازل الشامل عن تريبس. وأوضح أوهيني أمبوفو-أنتي (مركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية) بالتفصيل طبيعة الشكوى، إذ قال: "عدم المساواة في الحصول على اللقاحات كانت له آثاراً شديدة على الأقليات العرقية والإثنية، على السود والشعوب الأصلية والنساء بتنويعاتهن ومجتمع الميم والمعاقين ومن يقعون في تقاطع بين الفئات المذكورة".

إن التأجيل المثير للعجب لاجتماع منظمة التجارة العالمية الوزاري بسبب اكتشاف طفرة أوميكرون، يقدم لنا أوضح صورة ممكنة عن الأسباب وراء ضرورة التنازل عن مقتضيات اتفاق تريبس، كخطوة ضرورية نحو مكافحة الأبارتيد في توزيع اللقاحات. في حين أن الكفاح من أجل إلغاء حقوق تريبس يعد أولوية كبيرة في مكافحة الأبارتيد الخاص باللقاح، فإننا نعرف أن ما نحتاجه حقاً هو تغيير ممنهج طويل الأجل، وإلا سوف تكرر هذه الدورة المميتة نفسها مرة تلو الأخرى. قالت لينا مينغاني (أطباء بلا حدود): "تنازل تريبس هو البداية وليس النهاية". الكفاح من أجل علاجات الإيدز الفيروسية يظهر للعالم أن الرعاية الصحية حق أساسي من حقوق الإنسان يتطلب احترامه، وليس فقط أثناء فترات الأزمات. كما قالت مازا سيوم (التحالف الأفريقي وتحالف اللقاح الشعبي) بعبقرية وبلاغة: "نحن لا نطلب إحساناً، إنما نطالب بالعدالة".

سوف يستمر أعضاء الشبكة العالمية في المطالبات والاحتشاد والتعبئة حتى يتمتع جميع الناس بنفس الحقوق الخاصة بالحياة والكرامة. إذا كنتم مهتمون بالمشاركة لإنهاء الأبارتيد الخاص باللقاح، نرجو أن تتواصلوا مع منسقة الحملات والعضوية في الشبكة العالمية، بسمة عيد، على: beid@escr-net.org

لمشاهدة التجمهر العالمي من هنا (بالإنكليزية)

Global Online Rally - WTO: Don't Trade with Our Lives


[1]  شكر خاص لأعضاء لجنة التخطيط: بوبي راماكانت (CNS)، دان أوالا (PHM كينيا)، نجوى بكار (ATFD)، ديبي ستوثارد (ALTSEAN بورما)، كاميلا مايا (CELS)، مارثا غريساليس (Comite Ambiental)، هين نغوين ثاي (APWLD)، ماندي موداريكوا (مركز المرأة القانوني) كرانتي (HRLN)، أليخاندرا سكامبيني (بودير).

[3]  انظر: https://reliefweb.int/report/world/pfizer-biontech-and-moderna-making-1000-profit-every-second-while-world-s-poorest

[4]  انظر: https://msfaccess.org/pharmaceutical-firms-across-asia-africa-and-latin-america-potential-manufacture-mrna-vaccines

[5]  انظر: https://www.aljazeera.com/opinions/2021/9/28/the-canadian-government-can-save-bolivian-lives