قضية ديفيكا بيسواس ضد اتحاد الهند وآخرين، دعوى رقم 95 لعام 2012

الهند تؤكد على الحق في اختيار ورفض التعقيم

في قضية الصالح العام هذه طعنت ناشطة معنية بالحقوق الصحية على إخضاع حكومة الولايات النساء (والرجال أحياناً) لجراحات التعقيم في مخيمات تعقيم خطيرة وغير نظيفة، لا يتم فيها عادة تحصيل الموافقة المستنيرة من المرضى قبل إجراء العملية. توصلت المحكمة العليا لأن هذه الممارسات – التي تركز بالأساس على النساء الفقيرات الريفيات – تنتهك الحق في الصحة وتحديداً الحقوق الإنجابية، وهما مكونان أساسيان من مكونات الحق في الحياة بموجب الدستور الهندي.

تاريخ الحكم: 
14 سبتمبر 2016
المنتدى: 
المحكمة العليا في الهند
نوع المنتدى: 
محلي
ملخص: 

في يناير/كانون الثاني 2012 خضع ما يناهز 53 امرأة لجراحات تعقيم في ولاية بيهار بالهند، في مخيم للتعقيم تديره منظمة غير حكومية مُنحت الاعتماد من الجمعية الصحية الإقليمية، على ما يبدو دون اتباع إجراءات رسمية شفافة. لم تُمنح النساء أية مشورة حول المخاطر والنتائج المحتملة لعملية التعقيم. خضعت للجراحة في مدرسة بدلاً من مستشفى، بشكل غير أخلاقي وفي غياب النظافة الكافية، على يد جراح واحد، على ضوء كشاف، فوق طاولة من طاولات المدرسة، ودون توفر مياه جارية أو قفازات معقمة. تعرضت نساء كثيرات منهن لألم بدني كبير بعد العملية، ثم تقدمن ببلاغات للشرطة. توصلت تحقيقات الولاية فيما بعد لأن المخيم يدير عملية ناجحة إلى حد بعيد، باستثناء استخدامه لأدوية منتهية الصلاحية. 

إبان إجراءها تحقيقاتها الخاصة، ادعت مقدمة الدعوى، الناشطة المعنية بالحقوق الصحية ديفيكا بيسواس أمام المحكمة العليا في الهند (المحكمة) أن هذه الوقائع تشكل انتهاكاً لدستور الهند (الدستور). طالبت الدعوى بإجراء تحقيق كامل في وقائع عام 2012 وتوفير الانتصاف عليها. كما طلبت الدعوى، من أجل تفادي وقوع انتهاكات مماثلة في المستقبل، إصدار أوامر بتحري الحزم في تنفيذ الأدلة الإرشادية لإجراءات التعقيم الصادرة بالفعل عن حكومة الهند، إبان حُكم من المحكمة العليا في 2005 في قضية "راماكانت راي (I) وآنر ضد اتحاد الهند وآخرون" (راماكانت راي)، وبناء على الحُكم أصدرت الحكومة عدة أدلة إرشادية إجرائية وتوجيهات دقيقة حول عملية التعقيم للنساء والرجال في برامج تنظيم الأسرة وبرامج الصحة العامة، بما يشمل ما يخص ضمان الجودة  وإجراءات العمليات الجراحية الاعتيادية (الأدلة الإرشادية الإجرائية).

مع وضع الدعوى لسياق هذه الوقائع، سلطت الدعوى الضوء على مخيمات جراحات التعقيم في مختلف ولايات الهند حيث تجري الجراحة المذكورة في ظروف غير معقمة وغير آمنة، وحيث لا تحصل النساء على معلومات حول طبيعة الجراحة أو تم تضليلهن بشكل صريح، على سبيل المثال عن طريق قول العاملين الصحيين بالحكومة إن العملية إجبارية. كما ركزت الدعوى على حقيقة أن عدد كبير للغاية من جراحات التعقيم في الهند – ما يناهز 100% - تستهدف النساء. 

قضت المحكمة بأن المقامة ضدهم الدعوى انتهكوا مكونين من مكونات المادة 21 من الدستور (حماية الحياة والحرية الشخصية): الحق في الصحة والحقوق الإنجابية. رأت المحكمة أن حرية ممارسة الحقوق الإنجابية تشمل الحق في اتخاذ القرار إزاء التعقيم بناء على موافقة مستنيرة عن علم وبينة وبمعزل عن أي شكل من أشكال الإكراه. في مداولاتها، أشارت المحكمة إلى التعليق العام رقم 22 حول الحق في الصحة الجنسية والإنجابية الصادر عن لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي يرى أن الصحة الإنجابية جزء لا يتجزأ من الحق في الصحة. كما اعتمدت على الحُكم الصادر عام 2004 في قضية "آيه إس ضد المجر" عن لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وينص على أن الموافقة المستنيرة الكاملة على التعقيم ضرورية ولا غنى عنها.

شددت المحكمة على الحاجة إلى التنسيق بين حكومات الولايات واتحاد الهند، مع الإشارة لضرورة أن يضمن اتحاد الهند الالتزام الصارم بالأدلة الإرشادية الإجرائية. كما قدمت المحكمة توجيهات إضافية محددة، على سبيل المثال: التوجيه بضرورة شرح القائمة المرجعية التي تم تحضيرها بحسب قضية "راماكانت راي" وكذلك شرح آثار وعواقب جراحة التعقيم بلغة يفهمها كل مريض ومع إتاحة وقت كافي للتفكير؛ المطالبة بجمع البيانات لتحسين أعمال الرصد والإشراف على هذه الممارسات؛ ضمان الشفافية والمحاسبة (مع توفير مستويات متصاعدة من التعويضات) فيما يخص أية وفاة أو مضاعفات على صلة بهذه الجراحات. 

فيما يخص النظام غير الرسمي الخاص بوضع خطط بأعداد الخاضعات للتعقيم على مستوى الولايات، أمرت المحكمة حكومات الولايات واتحاد الهند بضمان عدم وجود أهداف من هذا النوع، بحيث لا يلجأ العاملون بالمجال الصحي والغير إلى إلزام الأفراد بالخضوع لما يرقى لمستوى التعقيم القسري أو بغير رضا لمجرد تحقيق هدف في العمل. اعتبرت المحكمة أن "أثر هذه السياسات، من قبيل وضع أهداف غير رسمية وتقديم حوافز من الحكومة، على الحريات الإنجابية للمجموعات الأكثر استضعافاً في المجتمع الذين تخلفهم ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية دون قدرة اختيار حقيقية... وتجعلهم أهدافاً سهلة للإكراه". في هذا الصدد، رأت المحكمة أن "لابد ألا تعكس سياسات الحكومة التمييز الممنهج السائد في المجتمع. فعليها أن تستهدف تعويض هذا التمييز وأن تضمن المساواة الحقيقية [وأن] تكون السياسات ونظم التحفيز المعمول بها محايدة فيما يخص النوع الاجتماعي، مع الكف عن التركيز غير الضروري على تعقيم الإناث". 

أمرت المحكمة اتحاد الهند بضمان الكف عن العمل بمخيمات التعقيم في أسرع وقت ممكن لكن في إطار زمني لا يزيد عن ثلاث سنوات، مشددة على أن يصاحب هذا الإجراء تدابير يتخذها اتحاد الهند وحكومات الولايات لتعزيز مراكز الصحة الأولية من حيث البنية التحتية والمرافق، ومن حيث إتاحة الرعاية الصحية لجميع الأفراد.

تطبيق القرار والنتائج: 

القضية محاولة من المحكمة العليا لمراقبة وتنفيذ حُكمها السابق في قضية "راماكانت راي". في هذا وفاء بمبدأ "أمر الامتثال المتواصل" حيث لا ترضى المحاكم في الهند فقط بإصدار الأحكام، إنما يهمها بنفس القدر تنفيذ الأحكام أيضاً. 

المجموعات المنخرطة في القضية: 

شبكة قانون حقوق الإنسان، التحالف الوطني لوفيات الأمومة وحقوق الإنسان، منتدى مراقبة الصحة، مؤسسة سكان الهند

دلالة القضية: 

احتفت بهذا الحُكم ناشطات حقوق المرأة في الهند. علقت بونام موتريجا المديرة التنفيذية لـ "مؤسسة سكان الهند" قائلة: "إننا نرحب بحكم المحكمة العليا الذي يعد حكماً فاصلاً. توفير الخدمات الجيدة للنساء والحفاظ على كرامتهن سيتبوأ مكانة مهمة في أجندة الدولة". لابد من وضع الحُكم في سياق حقيقة أن الهند تشهد كل عام أربعة ملايين عملية ربط بوق (تعقيم للإناث)، أكثر من أي دولة أخرى في العالم. لطالما طالبت المدافعات عن حقوق المرأة بقوانين أفضل أو القضاء على مخيمات التعقيم، وبالاستثمار في الأشكال البديلة لمنع الحمل.

كان الحُكم مهماً نظراً لتركيزه على وقائع بعينها، وكذلك نظراً للسياق الأعرض (مثل وضع خطط غير رسمية بأعداد جراحات التعقيم المنشودة من قبل حكومات الولايات) الذي أدى إلى ظروف تشجع على التعقيم بغير رضا. أكدت القضية على الحاجة للموافقة الحرة والمستنيرة (عن علم وبينة) قبل جراحات التعقيم، وفي غياب هذه الموافقة، يعتبر التعقيم بغير رضا أو بالإكراه، ويمثل انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان، كما أكد التعليق العام رقم 24 الصادر عن سيداو حول المرأة والصحة. المجموعات المستضعفة، مثل النساء والمعدمين والأقليات الإثنية والشعوب الأصلية والمصابين بإعاقات ومرضى الإيدز ومتحولو الجنس وحاملو صفات الجنسين، استهدفوا – تاريخياً – بهذه الجراحات، في الهند وفي شتى أنحاء العالم. كما تشدد القضية على ضرورة أن تكون الرعاية جيدة (بما يشمل ما قبل وما بعد الجراحة) كمكون أساسي من مكونات الحق في الصحة، كما ورد في التعليق العام رقم 14 الصادر عن لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حول الحق في الصحة.

يوفر بيان الأمم المتحدة الصادر عن مجموعة هيئات أممية بعنوان "القضاء على التعقيم الإجباري والقسري أو غير الطوعي" توجيهات دولية مفيدة من أجل مقاربة تراعي حقوق الإنسان في شأن سياسات التعقيم. في حين يقر بأن التعقيم ما زال خياراً مهماً للأفراد والأسر للسيطرة على الخصوبة، فإن البيان يؤكد على ضرورة توفر ممارسات التعقيم وإتاحتها وأن تكون على مستوى جيد، وأن تكون خالية من التمييز أو الإكراه أو العنف وتتم بعد تحصيل موافقة كاملة وحرة ومستنيرة من الشخص المعني.