القرار T-406/92. دعوى قضائية بشأن حماية الحقوق الدستورية رفعها خوسيه مانويل رودريغيز رانجيل ضد إنريكي تشارتوني غونزاليز، مدير الأشغال العامة في كارتاخينا. ملف T-778

تتمثّل هذه القضية في قيام أحدهم برفع دعوى قضائية من خلال إجراء توتيلا القانوني، وذلك لحماية الحق في الصحة العامة. حيث أنّ نظام الصرف الصحي غير المكتمل، والذي كان يفيض بشكل شبه دائم، أصبح يُشكّل خطرا كبيرا على الصحة العامة لسكان حيين اثنين بالمدينة. وقد استخدمت المحكمة الدستورية هذه القضية لتحديد دورها في تحديد الحقوق الأساسية وإنفاذها. كما حددت المحكمة المعايير المتبعة للبت فيما إذا كان الحق أساسيا أو لا، وخلصت إلى أنّ الحق في الصحة العامة هو حقّ أساسي ولا يجب تجاوزه.

تاريخ الحكم: 
5 حزيران 1992
المنتدى: 
المحكمة الدستورية في كولومبيا، غرفة الاستئناف الأولى
نوع المنتدى: 
محلي
ملخص: 

رفع المدعي دعوى قضائية باستخدام إجراء توتيلا القانوني ضد شركة الأشغال العامة في كارتاخينا، مدعيا أنها قد بدأت في تشغيل نظام صرف صحي غير مكتمل، مما أدى إلى فيضان مياه سوداء اللون وظروف غير صحية في اثنين من أحياء المدينة. حيث ادعى الشاكي بأنّ هذا التصرف يعتبر انتهاكا للمادة 88 من الدستور الكولومبي، والتي تحمي الحق في الصحة العامة، وطالب بالانتصاف الزجري لمنع حدوث ضرر لا يمكن جبره، على النحو المنصوص عليه في المادة 5 من المرسوم 2591. وعلى الرغم من أن المحكمة الإدارية في بوليفار قد أكّدت الظروف غير الصحية المزعومة، إلّا أنّها قضت بأنه لا يمكن استخدام اجراء توتيلا القانوني إلا لفرض الحقوق الأساسية المدرجة في المادة 1 من الدستور، والتي لا تشمل الحق في الصحة العامة.

وخلصت المحكمة الدستورية إلى أنه في دولة تسعى لتحقيق الرفاه الاجتماعي، لا يجب أن يحافظ القضاء على النص الرسمي للقانون فحسب، بل يجب أن يضمن تطبيقه بشكل إيجابي. وفي حين أن كلا من التشريعات والقرارات القضائية هي التي تخلق القانون، فإن للمحكمة دور أساسي يتمثّل في مراجعة السلطتين الأخريين للحكومة، وذلك بهدف تقييد السلطات وضمان تطبيق القوانين التي سنّتها الهيئة القضائية على الواقع الاجتماعي. كما يجب على القضاة الضغط على الهيئة التشريعية لضمان قيامهم بإنفاذ الحقوق بشكل فعال. هذا وتعتبر العلاقة بين النص الدستوري والواقع الاجتماعي أكثر أهمية من تحديد الحقوق الأساسية في الفراغ. الحقوق ليست رمزية ويجب فرضها.

يجب أن تنبثق الحقوق الأساسية من المبادئ الدستورية. حيث أنّ بعض الحقوق الأساسية غير مذكورة صراحة في الدستور، ولكن صلتها بالحقوق التي تمت تسميتها تتمثل في أنّه وفي صورة عدم حماية هذه الحقوق عير المعلنة رسميا، فلن يكون من الممكن ضمان الحقوق الأساسية المذكورة. إنّ تفسير المحكمة للدستور يمنح هذه الحقوق فعالية فورية، ولا تعتمد حمايتها على وضع القواعد التشريعية. فعند إعلان الحقوق الأساسية، يجب أن تأخذ المحكمة في عين الاعتبار الواقع الاقتصادي للدولة مع الحفاظ على الهدف النهائي المتمثل في بناء مجتمع أكثر عدالة وديمقراطية وحرية، على النحو المتوخى في ديباجة الدستور. ورأت المحكمة أنها يجب أن تتخذ قرارات من شأنها أن تُغيّر الوضع الراهن، مع عدم فرض أوامر يستحيل تنفيذها بالنظر إلى الواقع الاقتصادي للدولة. عندما يتم الإعلان عن حق أساسي أو إثبات وجود انتهاك في هذا الصدد، يجب على القضاة اتخاذ تدابير تضمن أولا وقبل كل شيء حماية هذا الحق، وتأخذ في عين الاعتبار أيضا الظروف المالية للمؤسسات العمومية.

يسمح إجراء توتيلا القانوني للمحاكم بأن تعلن بأنّ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هي حقوق أساسية، وأن تأمر بإنفاذ هذه الحقوق. كما ينص الدستور على أنّه من واجب الدولة توفير الخدمات العامة ومعالجة المشاكل المتعلّقة بالصحّة والتعليم والبيئة والمياه. علاوة على ذلك، وبموجب المادة 366، تلتزم الدولة بإعطاء الأولوية للإنفاق الاجتماعي على أي تخصيص آخر للموارد. حيث تشير الأدلة إلى أنّ عدم وجود شبكات صرف صحي مناسبة يشكل خطرا كبيرا على الصحة العامة. ويمكن أن يتسبب إنكار الحق المطلوب حمايته إلى المرض والموت وتعرض كلّ من الحق الأساسي في الحياة (المادة 11) والكرامة الإنسانية (المادة 1) للخطر. بالإضافة إلى ذلك، ولأن الحق المطلوب حمايته في هذه الحالة ينطبق على الأحياء المهمشة، فإنه يعرض للخطر أيضا الحقوق الأساسية للمهمشين (المادة 13). وبالتالي، فإن الحق في الصحة العامة هو حق أساسي.

وعليه، قامت المحكمة بإلغاء قرار المحكمة الإدارية وأمرت الأشغال العامة في كارتاخينا باستئناف بناء نظام الصرف الصحي في غضون ثلاثة أشهر. كما أعلنت المحكمة أن هذه القضية ستكون بمثابة سابقة لجميع القضايا المماثلة، حيث يمكن لمشاريع الأشغال العامة غير المكتملة التأثير على الصحة العامة.

تطبيق القرار والنتائج: 

لا يزال الحصول على المياه الصالحة للشرب يشكّل تحدّيا كبيرا في كولومبيا، وذلك على الرغم من استثمار الدولة في شبكات الصرف الصحي. وقد نصّ المرسوم 605 لعام 1996 على إجراءات جديدة لإدارة النفايات الصلبة (جمعها وتخزينها والتخلص منها). كما تمّ بموجب المرسوم 3137 لعام 2006 انشاء نيابة وزارة المياه، والبدء في تنفيذ أربعة برامج جديدة تهدف إلى تحسين الخدمات، لا سيما في المناطق الريفية.

ومع ذلك، لا يزال التخلص من مياه الصرف الصحي يمثّل مشكلا كبيرا. حيث لا تزال نسبة كبيرة من مياه الصرف الصحي غير مجمعة لأن العديد من المنازل غير متصلة بشبكات الصرف الصحي للبلدية. وحتى عند وصلها، تفتقر العديد من البلديات إلى مرافق معالجة مياه الصرف الصحي. وقد أفادت منظمة الصحة العالمية في عام 2006 أنه في المناطق الريفية، والتي تضمّ 23٪ من السكان، 71٪ فقط يحصلون على المياه الصالحة للشرب و54٪ فقط يتمتعون بنظام صرف صحي مناسب.

دلالة القضية: 

تكمن أهمية هذا القرار في كونه يقرّ بالصلاحية التي تتمتع بها المحكمة الدستورية لتحديد الحقوق الأساسية الجديدة من النص الدستوري وتطبيق هذه الحقوق على الواقع الاجتماعي من خلال إجراء توتيلا القانوني. وقد أعلنت المحكمة بأن الحق في الصحة العامة هو حق أساسي. كما خلصت إلى أنّ الدولة ملزمة بإعطاء الأولوية للإنفاق الاجتماعي على أي تخصيص آخر للموارد. كما أنّ إقرار المحكمة بأنّه على الدولة واجب إكمال مشاريع الأشغال العامة بمجرد أن تبدأ يعتبر سابقة في هذا الشأن.

شكر خاص لعضو الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: برنامج حقوق الإنسان والاقتصاد العالمي، جامعة نورث إيسترن ومركز القانون والعدالة والمجتمع.