لجنة الحقوقيين الهولندية لحقوق الإنسان وآخرون ضد هولندا، ECLI:NL:RBDHA:2020:1878

قضت محكمة  مقاطعة لاهاي بأن تعديل قانون الهيكل التنظيمي لتنفيذ العمل والدخل الذي يجيز استخدام دلالة مخاطر النظام يُعدّ انتهاكًا للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. إن أحكام الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان المتعلقة بالخصوصية، المبيّنة في المادة 8، الفقرتين 1 و2، تشترط على المحكمة أن توازن مصالح الحكومة الهولندية مقابل الغزو الفردي للخصوصية الناتج عن استخدام دلالة مخاطر النظام، ووجدت المحكمة أن مصالح الحكومة لم تكن بالقوة الكافية لتبرير انتهاك حق خصوصية الفرد. أمرت المحكمة الحكومة بالتوقف عن استخدام دلالة مخاطر النظام.

تاريخ الحكم: 
5 فبراير 2020
المنتدى: 
محكمة مقاطعة لاهاي
نوع المنتدى: 
محلي
ملخص: 

رفُعت دعوى قضائية تقدّمت بها سبعة أطراف ومنظمة حقوقية ومنظمة للحقوق المدنية ومنظمة لحقوق الخصوصية ومنظمة تعمل من أجل حقوق عملاء المعالجين النفسيين في الخصوصية ومجلس وطني قانوني من العملاء المشاركين في صناعة السياسات الحكومية وشخصان، ضد دولة هولندا في مارس/آذار 2018، للطعن في شرعية استخدام الدلالة على مخاطر النظام، وهي أداة قانونية للبيانات الحكومية تُستخدم لتقييم خطر أن يكون الأفراد الذين يتلقون الإعانات الإجتماعية من الدولة  قد تصرّفوا بطريقة احتيالية. (انضمت نقابة عمالية إلى الدعوى بصفتها طرف ثالث متدخل لصالح المدّعين في سبتمير/أيلول 2020). زعم المدّعون أن الدلالة على مخاطر النظام انتهكت أحكام الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وأن إدارة الضرائب والجمارك في هولندا أخلت بواجبات السرية. والتمسوا إصدار مرسوم يحظر الدلالة على مخاطر النظام في المستقبل. علاوة على ذلك، طالب المدّعون بأن يُطلب من الدولة الإفصاح عن نماذج المخاطر والمؤشرات المستخدمة في الدلالة على مخاطر النظام، وذلك لشطب جميع البيانات التي جُمعت لصالح مشروعات الدلالة على مخاطر النظام، وإلزامها بدفع مصاريف الدعوى.

أجاز قانون الهيكل التنظيمي لتنفيذ العمل والدخل، بصيغته المعدلة في 4 يناير/كانون الثاني 2014، الذي نُفذ بموجب مرسوم الهيكل التنظيمي لتنفيذ العمل والدخل، تطبيق أداة بيانات الدلالة على مخاطر النظام. أنتج نظام البيانات في أداة الدلالة على مخاطر النظام تقاريرًا للوكالات الحكومية تُبيّن ما إذا كان هناك ما يستأهل التحقيق مع أحد الأفراد بتهمة ممارسة سلوك احتيالي في تلقيه للإعانات الاجتماعية. نُفّذت أداة الدلالة على مخاطر النظام، في الممارسة العملية، عن طريق مشروعات الجوار، حيث حدد "تحالف تعاوني" من الوكالات الحكومية منطقة جغرافية لإجراء تحليلات الدلالة على مخاطر النظام، ثم تعاون هذا التحالف عن طريق توفير البيانات لنموذج المخاطر المتبع في أداة الدلالة على مخاطر النظام. صُممت نماذج المخاطر عن طريق تجميع مؤشرات الخطر التي تمت مقارنتها من خلال البيانات  المقدّمة من أي وكالة حكومية مشاركة في التحالف التعاوني. بموجب التشريع، يجوز الاحتفاظ  ببيانات تقرير المخاطر لمدة تصل إلى عامين بعد مشروع الجوار.

احتوى مرسوم الهيكل التنظيمي لتنفيذ العمل والدخل على قائمة موسّعة من الفئات المعلوماتية التي يُمكن معالجتها في الدلالة على مخاطر النظام، تشمل: النوع الاجتماعي، التاريخ الوظيفي، الضرائب، ملكية العقارات، التعليم، التأمين الصحي، التراخيص الحكومية، إعانات المساعدة الاجتماعية، عبء الديون، المعاشات التقاعدية، والعقوبات الإدارية. تستطيع الوكالات اقتراح مشروعات الدلالة على مخاطر النظام ورفعها إلى وزير الشؤون الاجتماعية والتوظيف للحصول على إذن لتنفيذ المشروع. يحق للوزير أن يختار معالجة البيانات إن كان الطلب يستوفي الشروط الواردة في مرسوم الهيكل التنظيمي لتنفيذ العمل والدخل، وإذا أوضح الطلب أن ثمة قدرة نظامية على ربط سجلات البيانات من أجل النتيجة التحليلية المقترحة.

طعن المدّعون في تشريع الدلالة على مخاطر النظام (أحكام قانون الهيكل التنظيمي لتنفيذ العمل والدخل ومرسوم  الهيكل التنظيمي لتنفيذ العمل والدخل اللذان يحتويان على أحكام الدلالة على مخاطر النظام) بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، المادة 8، الفقرة الأولى، التي تنص على أن الخصوصية حق أساسي من حقوق الإنسان في احترام "حياته العائلية ومسكنه ومراسلاته،" وبموجب المادة 8، الفقرة الثانية التي تنص على أنه لا يجوز التعرض لهذا الحق إلا "وفقًا للقانون وبما تمليه الضرورة في مجتمع ديمقراطي لصالح الأمن القومي وسلامة الجمهور أو الرخاء الاقتصادي للمجتمع، أو حفظ النظام ومنع الجريمة، أو حماية الصحة العامة والآداب، أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم." تنص المادة 8 على اختبار التوازن لتحديد الوضع القانوني لتشريع الدلالة على مخاطر النظام. طُلب من المحكمة قياس حجم المصالح العامة للدولة في تشريع الدلالة على مخاطر النظام مقارنةً بالغزو الفردي للخصوصية الذي قد ينجم عن تقارير المخاطر في إطار أداة الدلالة على مخاطر النظام.

علاوة على ذلك، يحمي الاتحاد الأوروبي حقوق الخصوصية بواسطة قانون تنفيذ اللوائح التنظيمية العامة لحماية البيانات. تتضمن مبادئ هذا القانون: الشفافية، تحديد الغرض، تقليل البيانات إلى الحد الأدنى، الدقة، النزاهة والسرية، والمساءلة. عام 2018، دخل قانون تنفيذ اللوائح التنظيمية العامة لحماية البيانات حيز التنفيذ في جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

تناولت المحكمة، في قرارها، العلاقة بين الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وقانون تنفيذ اللوائح التنظيمية العامة لحماية البيانات موضحةً أن الاتفاقية توفر قواعد عامة تتعلق بالخصوصية وحقوق الإنسان، في حين يوفر القانون لغة قانونية محددة تتعلق بحقوق المواطن في حماية البيانات الشخصية. إن الحقوق الواردة في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان مدرجةٌ في ميثاق الاتحاد الأوروبي الذي ينظم قانون تنفيذ اللوائح التنظيمية العامة لحماية البيانات.بالإشارة إلى هذا الإطار، اختارت المحكمة استخدام المبادئ المحددة في قانون تنفيذ اللوائح التنظيمية العامة لحماية البيانات لتحليل تشريع الدلالة على مخاطر النظام وتفسيرها بموجب المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية.

رأت المحكمة أن تشريع الدلالة على مخاطر النظام يُعد انتهاكًا للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لأنه لم يجتز اختبار التوازن الوارد في المادة 8، الفقرة الثانية، ولأن الدولة لم تثبت أن تشريع وقانون نظام الدلالة على مخاطر النظام كان شفافًا  ويمكن التحقق منه.

 في ما يخص اختبار التوازن، استنتجت المحكمة أن لتقرير المخاطر تأثيرًا قانونيًا كبيرًا على الشخص الذي ترد المعلومات الخاصة به في التقرير، سواء أذلك كان المقصود من التشريع أم لم يكن. على الرغم من عدم إمكانية استخدام التقرير بمعزل عن معاقبة الفرد، فإنه قد يؤدي إلى التحقيق أو قد يُستخدم في  القرارات القانونية التي لها آثار كبيرة على حياة الفرد. وجدت المحكمة أنه لم توضع تدابير حماية كافية لإيجاد حق مبرر للتدخل في خصوصية الفرد. لهذه الأسباب، وجدت المحكمة أن التعرض لحق الفرد في الخصوصية كان كبيرًا جدًا إلى حد يمنعها من  قبول مصلحة الحكومة المعلنة.   

بالإضافة إلى ذلك، عمدت المحكمة إلى تحليل تشريع الدلالة على مخاطر النظام ووجدت أنه لم يكن شفافًا ولا يمكن التحقق منه. ورأت أنه ثمة إمكانية لاستخدام أداة الدلالة على مخاطر النظام بوصفها نظام "التعلّم العميق" لأنها تسمح للوكالات باستخدام النظام لتعديل نماذج الخطر خلال العملية. علاوة على ذلك، وجدت المحكمة أن ثمة احتمال بأن يُشارك النظام في تحديد سمات بيانات الأفراد، وهذا الأمر يحظره قانون تنفيذ اللوائح التنظيمية العامة لحماية البيانات. ينطبق تعريف تحديد سمة البيانات على عملية ربط الملفات بموجب قانون تنفيذ اللوائح التنظيمية العامة لحماية البيانات. لم يُخطَر أصحاب البيانات فرادى لدى إدخال بياناتهم في نظام الدلالة على مخاطر النظام. بل أبقت الحكومة على سرية نماذج المخاطر والبيانات التي جُمعت. وفقًا لمبادئ قانون تنفيذ اللوائح التنظيمية العامة لحماية البيانات، قادت هذه الممارسات المحكمة إلى استنتاج أن التشريع انتهك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

تطبيق القرار والنتائج: 

بوصفه سبيلًا من سبل الانتصاف، أبطلت المحكمة تشريع الدلالة على مخاطر النظام، مما يعني أن الحكومة لا يُمكنها مواصلة استخدام نظام بيانات الدلالة على مخاطر النظام. مع ذلك، رفضت المحكمة الادعاء ضد إدارة الضرائب والجمارك في هولندا بشأن سرية البيانات، مشيرةً إلى أن المدّعين فشلوا في تأييد ادعائهم. كذلك رفضت المحكمة إصدار أمر إلى الحكومة بالإفصاح عن نماذج المخاطر الخاصة بأداة الدلالة على مخاطر النظام المُستخدمة في مشروعات الدلالة على مخاطر النظام المحددة، ولم تأمر بإتلاف البيانات التي سبق جمعها بواسطة مشروعات الدلالة على مخاطر النظام. في 23 أبريل/نيسان 2020، أعلنت هولندا أنها لا تعتزم استئناف الحكم الصادر في القضية.

دلالة القضية: 

مع ظهور "الذكاء الاصطناعي"، بدأت الدول في أنحاء العالم في تنفيذ أنظمة تستخدم التكنولوجيا لتحديد  سلوكيات الأفراد والأنماط النظامية في الرعاية الاجتماعية وسائر الإعانات الحكومية. يُرسي الحكم الصادر في هذه القضية سابقة مفادها أنه بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وقانون الاتحاد الأوروبي، يُمكن الطعن في هذا النوع من الأنظمة، لا سيما حينما تفوق الأضرار التي لحقت بالمستفيدين من برامج الرعاية الاجتماعية إلى حد كبير المكاسب التي تحققت للبلد عمومًا. بالإضافة إلى ذلك، تؤذن هذه القضية أنه عندما تكون الحسابات النظامية المستخدمة لتحديد السلوك الاحتيالي من قبل متلقي الرعاية الاجتماعية غير شفافة أو متاحة، قد تعاني الدول وقتًا عصيبًا في الدفاع عن تقنياتها.

شكر خاص لعضو الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، برنامج حقوق الإنسان والاقتصاد العالمي، جامعة نورث إيسترن على إسهاماته