تحية إلى أولئك الذين تعذّر عليهم الحضور

 كان صمتهم مسموعًا.

فيما جلس 150 شخصًا في مقاعدهم استعدادًا للاجتماع العالمي للاستراتيجية الذي نظمته الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، برزت بوضوح المقاعد الخالية بين جموع الحاضرين مُحتفظةً بأماكن أولئك الذين استعصى عليهم الوصول إلى بوينس آيرس في الأرجنتين على الموعد للمشاركة في هذا الحدث.

Gustavo Castro

في كلمة مصوّرة عُرضت في حفل الافتتاح، تمنى غوستافو كاسترو، الغائب عن الاجتماع، التوفيق لزملائه الأعضاء في الاجتماع الذي أوشك على البدء. وقد كان كاسترو محور سلسلة من الاجراءات التي اتخذتها الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتجدر الإشارة إلى أن السيد كاسترو هو مؤسسة أوتروس ماندوس تشياباس، المنظمة المكسيكية التي تدعم المقاومة الشعبية ضد التعدين وبناء السدود والزراعات الأحادية والكائنات المحوّرة جينيًا التي تدفع باتجاهها الأعمال الزراعية التجارية، وغير ذلك من الأنشطة التي تُلحق الضرر بالمجتمعات المحلية. وجاءت هذه الاجراءات عقب جريمة اغتيال صديقته برتا كاسيريس المدافعة عن حقوق الإنسان في هندوراس في شهر آذار/مارس 2016، ومحاولة قتله وتقييد حريته في التنقل وتعرضّه للتهديدات الأمنية المتواصلة.  أبدى كاسترو، مُعلقًا على الدعم الذي تلقاه عبر نظام التضامن في الشبكة العالمية، إعجابه بالاجراءات العاجلة التي تتخذها الشبكة، لافتًا إلى أن المساندة التي تقدمها إنما تزّود المدافعين عن حقوق الإنسان العاملين في الأوقات الصعبة بالثقة المطلوبة. ولما كان كاسترو لا يزال يتعرض لتهديدات مستمرة تتعلق بجريمة اغتيال برتا، فإنه مضطر إلى الانتقال مع أسرته إلى مكان آخر بصفة مؤقتة إلى أن يتحسن الوضع الأمني في بلاده.

كاسترو ليس الوحيد

في العام المنصرم، رأت الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عددًا من أعضائها يتعرضون لتهديدات واعتداءات خطيرة تتصل بعملهم في النهوض بحقوق الإنسان وتعزيزها. إذ اعتقل سعيد بلوش،عضو مجلس إدارة الشبكة، تعسفيًا في باكستان في شهر كانون الثاني/يناير، بالتزامن مع تجريم الناشطين الحقوقيين والحكم بسجنهم في جرائم ملفقة في الفلبين وغواتيمالا.

Saeed Baloch

حيّا الفريق العامل المعني بالحركات الاجتماعية في الاجتماع التمهيدي الذي سبق انعقاد الاجتماع العالمي للاستراتيجية يوم الإثنين الواقع فيه 14 تشرين الثاني/نوفمبر، سيزار يوفاني برنانديز هيريرا، من منظمة الأخوة السود الهندوراسية الذي تعرّض وأربعة من أعضاء المنظمة للاعتقال والضرب أثناء محاولتهم الصعود إلى متن الطائرة المتجهة إلى بوينس آيرس. فقد كان الزعيم الشاب ينوي المشاركة في الاجتماع العالمي للاستراتيجية ممثِّلًا حركة شعب الغاريفونا الأصلي في هندوراس التي تدافع عن أراضي الأجداد ومواردهم في مواجهة التوسّع الذي تفرضه المشروعات الساعية للربح من غير الحصول على موافقة الشعوب الأصلية.

كذلك كان غياب ألفرد براونيل عن الاجتماع واضحًا. وبراونيل هو مؤسس رابطة المحامين عن البيئة (الدعاة الخضر)، وهي المنظمة ذات المنفعة العامة الأولى المختصة بالقانون البيئي وحقوق الإنسان في ليبيريا. في أعقاب سنوات عدة من التهديدات المتصاعدة انتقامًا من عمل براونيل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، صدرت بحقه وبحق عدد من الموظفين العاملين معه مذكرات اعتقال في نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر. وهذه المذكرات التعسفية الصادرة بطريقة غير نظامية والتي كانت موضوع عدد من العرائض والالتماسات العاجلة، قد دفعت ببراونيل وأسرته وزملائه في العمل إلى الاختباء في مكان آمن حتى الآن.

Alfred Brownell

وأيضًا تعذّر على إينغ فوثي من "الإنصاف في كمبوديا" حضور الاجتماع العالمي للاستراتيجية جراء المحاولات الحثيثة الأخيرة لتجريم أعضاء في فريقه لدواعٍ تتعلق على ما يبدو بعملهم في الدفاع عن حقوق المجتمعات المتضررة من الامتيازات المرتبطة بزراعة قصب السكر في ثلاث محافظات كمبودية.

لذا، وإثر سلسلة من الاعتداءات التي استهدفت المدافعين عن حقوق الإنسان وزعماء القواعد الشعبية الناشطين في مجال تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدفاع عنها، عقد أعضاء الفريق العامل المعني بالحركات الاجتماعية في الشبكة العالمية اجتماعًا في شهر أبريل/نيسان للتداول في النزعات والاتجاهات الحديثة، ووضع استراتيجية بشأن الطريقة المثلى للمضي قدمًا بعملهم الجماعي. فلاحظ الفريق  بعد تقييم الأنواع المتعددة للتهديدات والاعتداءات التي تطال أعضاءه، أن العدائية المتزايدة لدى المصالح الاقتصادية العالمية المدعومة من أطراف سياسية قوية أدت في كثير من الحالات إلى مزيد من الحوادث الأشد عنفًا والأطول زمنًا التي يتعرض لها زملاؤهم في الحركة الدولية لحقوق الإنسان. وقد فُصّلت هذه الرؤية بإسهاب في الميثاق المشترك للعمل الجماعي ،الوثيقة الي أيدها أعضاء الشبكة العالمية في خلال الاجتماع العالمي للاستراتيجية لتوجيه العمل الجماعي في ضوء الأوضاع العالمية والتحديات المشتركة التي تميز العالم الذي يعمل فيه المدافعون عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اليوم.

على مدى العام المنصرم، لاحظ الأعضاء أن معظم الحكومات في بلادهم تخضع بصورة متزايدة لهيمنة الشركات والمصالح الخاصة الأخرى التي غالبًا ما تسود على حساب التزام الحكومات بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان. في الواقع ، غالبا ما يتحرك عدد كبير من أعضاء الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للحشد واتخاذ ما يلزم من اجراءات لمقاومة هذه المصالح الخاصة القوية التي تتجلى في مشروعات بناء السدود الكبيرة، وزراعات المحصول الواحد، والسياحة الفاخرة وغير ذلك من المشروعات العملاقة، ما أدى في أحيانٍ كثيرة إلى تعرضهم للتهديدات.

لذا أكد أعضاء الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إدراكًا منهم لخطورة التهديدات الأمنية التي يواجهها العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان المنهمكين بالعمل على تعزيز العدالة الاجتماعية عن طريق الاستعانة بحقوق الإنسان، التزامهم المشترك بتعزيز أمن المدافعين عن حقوق الإنسان المنتسبين للشبكة وتوفير الحماية لهم.

Sistema de Solidaridad

بعد اختتام الاجتماع العالمي للاستراتيجية، بقي 35 عضوًا للمشاركة في جلسة تدريبية أمنية وإعلامية اختيارية حول نظام التضامن في الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد أسهم في تسهيل التئام هذه الجلسة أعضاء الفريق الاستشاري المعني بنظام التضامن، حيث تشاركوا بعض الملاحظات حول الروتين اليومي، والمخاطر الأمنية ومكامن الضعف التي يواجهونها في حياتهم وعملهم، بالإضافة إلى بعض الآراء العامة المتعلقة بسلامة المدافعين العاملين على الجبهات الأمامية ورفاههم.