قضية اتحاد المعلمين في كولومبيا البريطانية ضد كولومبيا البريطانية ، رقم SCC 49

المحكمة الكندية العليا تؤيد حق اتحاد المعلمين في التفاوض الجماعي

أيدت المحكمة الكندية العليا، وهي أعلى محكمة في كنداالحق في التفاوض الجماعي في إطار ضمان حرية تكوين الجمعيات المنصوص عليها في الدستور الكندي }البند الثاني، (د){، وذلك في قضية عقود العمل المبرمة مع المعلمين في أنحاء مقاطعة كولومبيا البريطانية المرفوعة أمامها. إنّ لهذه القضية انعكاسات ونتائج إيجابية كبيرة تخدم حقوق العاملين، لا سيما أنها تتعلق بالحق في التفاوض الجماعي. كما تُسلط هذه القضية الضوء على ترابط كل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولأنها تؤثر إيجابًا (وإن على نحو غير مباشر) في حق الإنسان في التعليم  والمسائل المتصلة بجودة التعليم وفرص الحصول عليه، لا سيما للأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة. 

تاريخ الحكم: 
10 نوفمبر 2016
المنتدى: 
المحكمة العليا في كندا
نوع المنتدى: 
محلي
ملخص: 

بتاريخ العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، أيدت المحكمة الكندية العليا، وهي أعلى محكمة في كندا، الحق الدستوري في حرية تكوين الجمعيات }البند الثاني، (د){ بموجب القرار الصادر عنها رقم 7-2. ويُعد هذا القرار نصرًا مبينًا لحقوق العاملين لا سيما أنه جاء لصالح اتحاد المعلمين في كولومبيا البريطانية، النقابة العمالية التي تمثل جميع معلمي المدارس الرسمية في مقاطعة كولومبيا البريطانية.

وجاء هذا الحُكم تتويجًا لمعركة قانونية دامت 14 عامًا، اندلعت شرارتها عام 2002 إثر إقرار تشريع أُبطلت بموجبه مئات البنود المُدرجة في العقد المُبرم بين حكومة الإقليم وآلاف المعلمين، والمتعلقة بحجم الفصل الدراسي، والموارد المخصصة للتلامذة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وومعدلات عدد التلامذة إلى عدد المعلمين، وغير ذلك من الأحكام المماثلة المتصلة بأعباء العمل. فضلًا عن ذلك، جرد قانون عام 2002 المعلمين من الحق في التفاوض حول هذه المسائل في المستقبل. في عام 2011، رأت المحكمة العليا في كولومبيا البريطانية أن هذا التشريع غير 

دستوري. وعليه، عمدت الحكومة الإقليمية في كولومبيا البريطانية، عُقب مشاورات سبقت التشريع مع المعلمين، إلى إقرار قانون ثانٍ عام 2012 مع أحكام مماثلة إلى حد بعيد (مع تغيير وحيد يقضي برفع التقييد الدائم المفروض على حقوق التفاوض الجماعي لكن مع الإبقاء على الحظر المؤقت). ومن نتائج هذين القرارين، أن خسر الآف المعلمين وظائفهم، فيما عانى آخرون أثًارًا سلبية كبيرة انعكست على ظروف عملهم. علاوة على ذلك، كافحت التلامذة والمدارس في آن معًا، لا سيما التلامذة من ذوي الاحتياجات الخاصة، للتكيّف مع نظام تعليمي يعاني نقصًا هائلًا في الموارد. 

أرسى التشريع الصادر عام 2012 الأساس الذي قامت عليه الدعوى القضائية الحالية المرفوعة أمام المحكمة الكندية العليا لاستئناف الحكم. فألغت المحكمة القرار الصادر عن محكمة الاستئناف في كولومبيا البريطانية عام 2015 لصالح الحكومة الإقليمية، واعتمدت القرار الأصلي الصادر عن المحكمة العليا في كولومبيا البريطانية مُعلنة عدم دستورية قانون عام 2012. كذلك، أعاد الحكم إدراج الشروط المحذوفة من العقد المبرم مع المعلمين بمفعول فوري.

وقد تبنت المحكمة الكندية العليا إلى حد كبير الحجج التي استند إليها القاضي دونالد الذي أبدى رايًا مخالفًا لقرار محكمة الاستئناف الصادر عام 2015. إذ أقر القاضي دونالد بعدم دستورية التشريع الصادر عام 2012 لأنه ينتهك حرية المعملين في تكوين الجمعيات المنصوص عليها في البند الثاني (د) الوارد في الميثاق الكندي للحريات والجمعيات الملحق بالدستور (الميثاق).

وقد فسر القاضي دونالد، مسترشدًا بالأحكام الأساسية السابقة الصادرة عن المحكمة الكندية العليا فكتب "إن حرية تكوين الجمعيات المحمية بمقتضى البند الثاني (د) الوارد في الميثاق في السياق المتصل بالمعلمين، حقٌ للموظفين في تكوين الجمعيات والانتساب إليها سعيًا لتحقيق أهدافهم في مكان العمل، وممارسة عملية مجدية تتحقق في إطارها هذه الأهداف.. " (الفقرة 283). وأوضح قائلًا إن " التفاوض الجماعي يتمتع بالحماية ]بموجب الحق في تكوين الجمعيات الوارد في الميثاق[بمعنى أن التدخل الكبير في محاولات التفاوض الجماعي الحالية أو المستقبلية أو التي جرت في الماضي، قد يجعل الممثلين الجماعيين عن الموظفين عاجزين ويقلل من فعاليتهم، وهذا الأمر سيؤدي في النهاية إلى إنكار الحق المُجدي للموظفين في تكوين الجمعيات. وعليه، إن الاجراءات التي تتخذها الحكومة والتي تُضعف القوة التفاوضية لدى الموظفين مقارنة بقوة رب العمل، تُلبي معيار التدخل الهائل المُشار إليه."(الفقرة 284) فاستنتج القاضي دونالد في مدوالاته إن البند الأول الوارد في الميثاق لا يسوغ هذا التدخل الكبير في عملية التفاض الجماعي (ضمن الحدود المعقولة التي يقرّها القانون والتي يمكن تبريرها مع ضمان مجتمع ٍ حر ٍ وديمقراطي). وتحديدًا، حينما استُخدمت ذريعة الأسباب الوجيهة لتبرير التشريعات المتنازع عليها (أي توفير قدر أكبر من المرونة في مجالس المدارس حول مجموعة من القضايا)، إذ لم تتبع الحكومة الإقليمية أي مقاربة للحد من التدخل في الحق في حرية تكوين الجمعيات. وعلاوة على ذلك، إن فرض ولو قيد مؤقت على حقوق التفاوض الجماعي سيعيد المعلمين إلى نقطة الصفر في وضعهم التفاوضي، في سياق 13 عامًا من النضال من أجل تحسين شروط العمل التي حُذفت على نحو غير دستوري، ثم أُعيدت لاحقًا. (الفقرتان 378-390)

كذلك، أشار القاضي دونالد إلى أن المشاورات التي تسبق إقرار التشريعات يُمكن أن تحل محل عملية التفاوض الجماعي التقليدية، شرط توفر بديل حقيقي ومجدٍ. وفي هذا الصدد، قال دونالد إن " ..كي يكون التفاوض مجديًا، يتعين على الأطراف المتفاوضة التشاور من موقف يُفترض أنه على قدم المساواة تقريبًا". (الفقرة 291) وفي هذا السياق، يتعين على المحاكم التحقق من المعقولية الموضوعية لموقف الحكومة ومراجعته مراجعة قوية في معرض تقييمها ما إذا كانت عملية التشاور المنتقاة تُلبي مبدأ حسن النية. وتبيّن بعد التحليل أن المشاورات السابقة للتشريع التي أجرتها الحكومة مع المعلمين لم تكن حسنة النية، ذلك أن الحكومة الإقليمية فشلت في تلبية الحد الأدنى من مستوى التفاوض بنية حسنة والتي " ... توجب على الأطراف تفسير موقفهم وقراءة مواقف الأطراف المعارضة وأخذها بعين الاعتبار." (الفقرات 372-6)

تطبيق القرار والنتائج: 

إنّ لتنفيذ هذه القضية أثارًا كبيرة على نظام المدارس العامة في كولومبيا البريطانية. إذ تُشير التقديرات إلى الحاجة لتوظيف مئات المعلمين وإنشاء المزيد المساحات المخصصة للصفوف الدراسية لإستعادة حجم الفصل الدراسي وقواعد التكوين إلى المستويات التي كانت عليها قبل عام 2002. ذلك أن التنفيذ السليم لهذا الحكم قد يُكبد على الحكومة الكندية  نفقات إضافية على التعليم تتراوح بين 250 و350 مليون دولاد كندي سنويًا. وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس اتحاد المعلمين في كولومبيا البريطانية، غلين هانسمان، أن المقاطعة تملك المال الكافي لتغطية هذه التكاليف. وقال إن الحكومة الإقليمية تُخصص ميزانية للطوارئ تبلغ مليار دولار كندي، وهذا بالتحديد ما يدعو إلى وصف هذه القضية بأنها استخدام محتمل للقليل من المال. 

في أعقاب القضية، لاحظ مايك دي يونغ، وزير المالية في كولومبيا البريطانية أن المفاوضات على استعادة الأحكام المنزوعة ستبدأ فورًا مع المعلمين، وأن التوقيت سيسمح بالتعامل مع التغييرات التي ستطرأ على ميزانية 2017 التي ستقر في شهر شباط/فبراير. وأضاف معلقًا "نريد الانكباب على تنفيذ ذلك بأقصى سرعة ممكنة". وكان هانسمان قد أشار إلى أنه يتوقع رؤية عدد أكبر من المعلمين في الفصول الدراسية في مطلع كانون الثاني/يناير، غير أن الوزيرة الأولى في كولومبيا البريطانية، كريستي كلارك، أعلنت أن تنفيذ الحكم سيستغرق وقتًا إضافيا. وأوضحت قائلة ".. إن ثمة تكهنات عديدة حول  تكلفة التنفيذ، لكن أوّد القول أنه الاستثمار الأفضل الذي يقوم بها المجتمع، لذلك دعونا ننجزه."

المجموعات المنخرطة في القضية: 

رفع اتحاد المعلمين في كولومبيا البريطانية هذه القضية بصفته الطرف الطاعن في التشريع الصادر عام 2012 . وتضم الأطراف المتدخلة: 

مركز النقابات في كيبيك، والجمعية الكندية لإسداء المشورة إلى أرباب العمل، والمؤتمر العمالي الكندي، والاتحاد الوطني للموظفين الرسميين والعامين، وتحالف الخدمة العامة في كندا، والمؤسسة المهنية للخدمة العامة في كندا، ورابطة المحاسبين في كندا، ورابطة المحامين، والجمعية الكندية للموظفين المهنيين، وتحالف المعلمين المنتسبين في أونتاريو. 

دلالة القضية: 

تُعالج هذه القضية بصفة خاصة الحق في التفاوض الجماعي المحمي بموجب الحق في حرية تكوين الجمعيات الذي يكفله الدستور. ويجوز أيضًا النظر إليها على مستوى أوسع على أنها نقطة تقاطع حقوق الإنسان  مع العمل والتعليم.

يُعد هذا القرار حكمًا بالغ الأهمية بشأن حقوق العاملين، لأنه يُعزز قدرة النقابات على المشاركة في التفاوض الجماعي نيابة عن أعضائها، ويوضح الملابسات والظروف التي تستطيع الحكومات في ظلها حظر مثل هذا الاجراء أو السماح به. وهذا القرار يدعم أيضًا الحق الإنساني بظروف عمل عادلة ومرضية، وذلك عن طريق اتباع مقاربة قوية في التفاوض الجماعي. وقد وصف رئيس الاتحاد العمالي في كولومبيا البريطانية، إيرني لانزينغر، هذا القرار بالانتصار الكبير للعاملين في أنحاء البلاد، مشيرًا إلى أن النقابات والمفاوضة الجماعية ربحت أجورًا أعلى، ومكاسب ومعاشات تقاعدية فضلى، وأجور عادلة للمرأة، يُضاف إليها شروط الصحة والسلامة ، لقد رفعت مستوى التطلعات لدى الجميع."

كما كان لهذه القضية انعكاسات مهمة على حق الإنسان في التعليم (وهو حق لا يكفله الدستور الكندي)، بما في ذلك حق الأطفال من ذوي الإعاقة في الحصول على التعليم. ولا بدّ من الإشارة إلى أن اختزال حقوق المعلمية والنقص في تمويل النظام المدرسي على مدى 14 عامًا أثّرا سلبًا على قدرة التلامذة في الحصول على التعليم الجيد، لا سيما ذوي الاحتياجات الخاصة منهم. وستفسح هذه القضية المجال أمام تعزيز موارد نظام تعليمي يستفيد منه جميع التلامذة كما يؤمل. ففي زمن نجد فيه أن التدابير التقشفية المعمول بها في بلدان عديدة ترخي بظلالها على التعليم الرسمي، تقترح هذه القضية وسائل بديلة لضمان الحق في التعليم في الممارسة العملية، عن طريق اتباع استراتيجيات قانونية تستند إلى الترابط بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من جملة تدابير أخرى. يُذكر أن اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في معرض توجيه الدول بشأن العلاقة بين ظروف عمل المعلمين (لا سيما الحق في الانتساب إلى الجمعيات والتفاوض الجماعي) والحق في التعليم، سبق أن أكدت أن تدهور ظروف عمل المعلمين لا يتناقض والمادة 13 (2)(هـ) الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحسب (التي تنص، من جملة أمور أخرى، على " ....مواصلة تحسين الأوضاع المادية للعاملين في التدريس)، بل يُعد أيضا عقبة كبيرة تحول دون الإعمال الكامل لحق التلامذة في التعليم (التعليق العام رقم 13 الفقرة 27، الصادر عن اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية).