Summary
تلقّت السيدة ج.م. رعاية صحية عند الولادة في مستشفى بونغوما، ويُطلق عليه الآن اسم مستشفى الإحالة في المقاطعة؛ وهو مشفى عمومي، من المفترض أن يقوم بتوفير رعاية صحية مجانية للأمهات، وذلك وفقا للتعليمات الرئاسية الصادرة عن رئيس كينيا في عام 2013. وفي المستشفى، طُلب من السيدة ج.م. دفع مقابل لدواء تحفيز المخاض الذي تلقته، وبعد ذلك، طُلب منها الذهاب إلى غرفة الولادة سيرا على الأقدام، رغم أنّها قد بدأت تحسّ بآلام المخاض. اتبعت السيّدة ج.م. التوجيهات، إلا أتّها لم تجد أي سرير ولادة فاض، فعادت أدراجها إلى جناح المخاض، إلا أنّه قد اُغمي عليها. لقد أنجبت طفلها وهي فاقدة للوعي، واستيقظت على صوت الممرضات اللاتي كنّ يصرخن، ويضربنها، ثمّ أمرنها بالعودة إلى غرفة الولادة لإخراج المشيمة. وقد قام أحد المرضى بتصوير المقطع دون علمها، ليصل بعد ذلك إلى الصحفيين الذين قاما بعرضه في نشرة الأخبار الوطنية.
تفطّنت السيّدة ج.م. إلى حجم الإساءة الذي تعرّضت له عند مشاهدتها لمقطع الفيديو بعد الحادث.
رفعت السيّدة ج.م. دعوى قضائية ضد السلطات المحلية والوطنية كردّ على الاساءة المشينة التي تعرّضت لها، مطالبة الحكومة بمعالجة التحديات التي تواجه منشآت الرعاية الصحية في كينيا.
وادعت أن الإساءة الجسدية واللفظية التي تعرّصت لها، إضافة إلى عدم احترام كرامتها، وفشل الحكومة في توفير الرعاية الصحية اللازمة لها، ينتهك حقوقها الدستورية، وكذلك الحقوق المنصوص عليها في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والعديد من المعاهدات الدولية الأخرى الخاصّة بحقوق الإنسان.
كما لاحظ أصدقاء هيئة التحكيم أن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يجعل من توفير الرعاية الصحية للأمهات حقّا يتحتّم على الدول حمايته، وأن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة تفرض على الدول واجب القضاء على التمييز ضد المرأة في مجال الرعاية الصحية .
وأكد كلّ من النائب العام وأمين مجلس الوزراء الوطني لشؤون الصحة أن وزارة الصحة قد نفذت مهمتها في وضع معايير وسياسات للرعاية الصحية؛ وأن الوزارة قد كفلت الحصول على رعاية مجانية للأمهات دون تمييز؛ وأنّها قد وضعت إجراءات التظلم المناسبة.
وأنكرت الحكومة الوطنية انتهاك أي من حقوق السيدة ج.م. لكنها أقرت بأن الموارد المخصصة للموظفين والمعدات والرعاية الصحية للأمهات كانت بالفعل محدودة.
ادعى كلّ من المستشفى وحكومة المقاطعة المعنية أن السيدة ج.م. لم تتبع إجراءات التظلم الصحيحة؛ وأن ادعاءاتها كانت متطرفة وتهدف إلى الإضرار بسمعة المستشفى؛ وأنّه- على الرغم من أن المشفى كان مكتظا عندما تم قبولها - فقد تمّ توفير الرعاية لجميع المرضى.
كما ادعى المستشفى وحكومة المقاطعة المعنية أنّ التحقيقات الداخلية قد برّأت الممرضات من سوء المعاملة.
وكردّ على الدعوى القضائية التي رفعتها السيدة ج. م.، أقرّت المحكمة بأن العلاج الذي تلقته المدعية في المستشفى ينتهك عدة حقوق بموجب الدستور الكيني والقانون الدولي.
اولا، لاحظت المحكمة أن مستشفى بونغوما ليس به متسع من المساحة ولا يملك عددا كاف من الأفراد لتوفير الرعاية الصحية اللازمة للسيدة ج.م. وللنساء الأخريات اللاتي كنّ هناك. إنّ الدستور الكيني يحمي الحق في "أعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه"، بما في ذلك صحّة الأم. كما تجدر الإشارة إلى أنّه، وقبل قدوم السيدة ج.م. إلى المستشفى مباشرة، أصدر الرئيس أوورو كينياتا تعليمات إلى منشآت الصحة العمومية تقضي بتوفير الرعاية الصحية المجانية للأمهات.
كما لاحظت المحكمة كذلك أن الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (ميثاق بانجول) والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يحميان الحق في الصحة. وبالنظر إلى هذه المعايير، فإن أوجه القصور في المستشفى، إضافة إلى نقص المعدات والإمدادات الأساسية والأدوية ونوعية الرعاية المتدنية، قد ساهمت في انتهاك حق السيّدة ج.م. في الصحة.
ثانيا، خلصت المحكمة إلى أن الحكومة قد انتهكت الحق الدستوري والدولي الذي تتمتع به السيدة ج. م. في الكرامة وعدم التعرض للمعاملة اللاإنسانية أو المهينة، وذلك لأنّها كانت مجبرة على إنجاب طفلها على الأرض في مكان مكشوف، ممّا سمح للمرضى الآخرين بتصوير المشهد، ولأنّ الممرضات قاموا بالاعتداء عليها جسديا ولفظيا بطرق قاسية ومهينة.
ثالثا، أوضحت المحكمة الصلة بين انتهاك حق السيدة ج.م. في الصحة والسياسة الوطنية. حيث اعترف كافّة الأطراف بأنّه كان من الممكن أن تضمن الحكومة الكينية الحق في الصحة من خلال الإعمال التدريجي، أو بزيادة جودة الخدمات وتوفيرها شيئا فشيئا. وأقرّت المحكمة بفشل الحكومة في وضع وتنفيذ سياسات فعالة وتكريس أقصى ما تسمح به الموارد المتاحة لتوفير الرعاية الصحية الجيدة للأمهات.
على وجه الخصوص، خلصت المحكمة إلى أن السلطات "لم تكرس موارد كافية لخدمات الرعاية الصحية، ولم تضع تدابير فعالة لتوفير الحد الأدنى المقبول من معايير الرعاية الصحية ومراقبتها."