Summary
في 6 يناير 2011، توفي المزارع روبن بورتيّو أثناء نقله من المستشفى إثر إصابته بالغثيان والحمى الشديدة بسبب استهلاكه للمواد الكيميائية الزراعية (مبيدات الآفات ومبيدات الحشرات). كما أصيب إثنا وعشرون فردًا آخرين من مستعمرة يروتي (المستعمرة) في مقاطعة كوروغواتي في بارغواي بأعراض مماثلة في الوقت عينه. وفي 13 يناير 2011، رفعت مجموعة من المزارعين من سكان المنطقة شكوى جنائية إلى مكتب المدعي العام في باراغواي مدّعين أن مزارعي فول الصويا الكبار الذين تحد أراضيهم المستعمرة استخدموا المواد الكيميائية الزراعية منتهكين المعايير البيئية، وتسببوا بمرض السيد بورتيّو ووفاته. كما رفع المزارعون قضية إنفاذ الحقوق الدستورية أمبارو يدعون فيها انتهاك حقوقهم الدستورية، زاعمين أن استخدام المواد الكيميائية الزراعية انتهك أيضًا حقوقهم في الحياة والبيئة الصحية والغذاء الكافي والمياه والصحة وجودة الحياة.
يقطن المستعمرة صغار المزارعين الذين يشتغلون في الزراعة الريفية المخصصة للاستهلاك الشخصي وللبيع. منذ عام 2005، تحولت الأرض المحيطة بالمستعمرة إلى واحدة من أكبر الأعمال التوسعية الزراعية في باراغواي، يُزرع فيها بصورة أساسية فول الصويا المعدّل جينيًا والذي يحتاج إلى عملية تبخير كبيرة للمواد الكيميائية الزراعية. يفرض قانون باراغواي على المزارعين الذي يستخدمون مبيدات الآفات إنشاء مناطق عازلة حول المزارع المتاخمة ومصادر المياه، وهي المعايير التي لم تف بها الشركات الزراعية. ادعى المزارعون أنهم اختبروا منذ توسّع إنتاج الصويا مجموعة واسعة من المشاكل الصحية، بما فيها الصداع والحمى ومشاكل في المعدة والقرح الجلدية.
استجابةً للشكوى الجنائية، أجرت المحكمة الجنائية في مقاطعة كوروغواتي تحقيقًا وسمّت سبعة مزارعين كانت محاصيلهم على حدود المستعمرة بصفتهم مسؤولين محتملين. لكن على الرغم من أن التحقيقات كشفت أن بئرًا في منزل المزارعين تحتوي على مواد كيميائية زراعية محظورة، أسقطت التهم الجنائية الموجهة لهؤلاء الأشخاص في النهاية. ولم تجرِ عمليات تشريح للجثث، ولم تُدرج اختبارات الدم والبول للمزارعين المتضررين في السجل الجنائي. علاوة على ذلك، لم توجّه أي تهم جنائية إلى مالكي ومديري اثنين من مزارع الصويا الأقرب من المتضررين على الرغم من أن التحقيق كشف أنهم لم يراعوا المعايير البيئية واستخدموا المواد الكيميائية الزراعية من غير الحصول على إرشادات تقنية كافية. في عام 2017، وجهت التهم من جديد إلى أربعة من الأشخاص الذين وجهت إليهم في الأصل.
أُعيدت المطالبة الدستورية إلى المحكمة الجنائية في كوروغواتي التي وجدت أن وزارة البيئة والخدمة الوطنية لجودة النبات لم تنفذ المعايير البيئية على نحو كافٍ، مما يُحتمل أن يؤدي إلى عواقب وخيمة على صحة سكان المستعمرة. إلا أن عمليات التبخير استمرت بلا عقاب على الرغم من هذا الاستنتاج القضائي المحلي، وفقًا للمشتكين في القضية الدولية.
ادعى المشتكون في التماسهم الذي رفعوه إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عام 2013 أن باراغواي بتقاعسها عن فرض المراقبة البيئية على عمليات التبخير انتهكت حقوقهم المنصوص عليها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في الحياة والسلامة البدنية العيش الكريم. علاوة على ذلك، زعموا أن حقهم في الحماية من التدخل التعسفي وغير القانوني في خصوصيتهم وأسرهم وإقامتهم المنصوص عليه في المادة 17 من المعاهدة، يشمل الحماية من تسرب التلوّث البيئي من قبل أطراف ثالثة. في الختام، ادعوا أن الافتقار إلى الانتصاف الفعال، في إشارة إلى إخفاقات التحقيق مثل التأخير وإهمال ضم الأدلة المهمة وتجنب محاكمة بعض مالكي المزارع الكبيرة.
كانت حجة دولة باراغواي أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لا يحمي الحق في بيئة صحية، ومن ثمّ تصبح القضية غير مقبولة. رأت اللجنة أن المزارعين لم يدعوا وقوع انتهاك للحق في بيئة صحية. بل طالبوا بالحقوق المذكورة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومن ثمّ فإن الادعاءات مقبولة.
استعرضت اللجنة اعتراضات باراغواي بشأن ادعاءات المزارعين الوقائعية. فكانت ذريعة باراغواي أنه لم يكن هناك دليل كاف على أن وفاة السيد بورتيّو والأمراض الأخرى كان سببها استخدام المواد الكيميائية الزراعية. مع ذلك، لحظت اللجنة أن التحقيق الجنائي كشف عن وجود مواد كيميائية محظورة في بئر تُستخدم لمياه الشفة. وأيضًا أن باراغواي تقاعست عن تشريح جثة السيد بورتيّو وإدراج عينات الدم والبول في السجل الجنائي. كما أن الدولة لم تقدم قط أي أدلة تبيّن احتواء دماء السكان والبول على مستويات طبيعية من المواد الكيميائية. وعليه، نظرًا لعدم دحض الأدلة، رأت اللجنة أنه يجوز لها اعتبار أن ادعاءات المشتكين تستند إلى أسس سليمة. وأشارت اللجنة أيضًا إلى التوثيق الواسع النطاق لخطر استخدام المواد الكيميائية الزراعية على حياة الإنسان.
خلصت اللجنة إلى أن باراغواي انتهكت الحق في الحياة، مشيرةً إلى "تعليقها العام رقم 36، الذي ثبُت فيه أن الحق في الحياة يتعلق أيضًا بحق الأفراد في التمتع بحياة تحفظ كرامتهم وفي التحرر من الأفعال أو أوجه الإهمال التي من شأنها التسبب في موتهم غير الطبيعي أو المبكر". وشرحت أنه يتوجب على الدول اتخاذ تدابير إيجابية لمواجهة الظروف المجتمعية التي يمكن أن تهدد حياتهم، بما فيها التلوّث البيئي، حتى لو لم تنه حياتهم. في هذه القضية، تمثل عمليات التبخير الكبيرة تهديدات متوقعة إلى حد معقول للحياة. فقد هددت عمليات التبخير مصادر المياه والمحاصيل والحيوانات التي يستخدمها المزارعون مصدرًا للمعيشة. علاوة على ذلك، دأبت باراغواي على الامتناع عن وقف عمليات التبخير، على الرغم من اعتراف العديد من كيانات الدولة بالأضرار الناجمة عنها وإخفاق السلطات في السيطرة عليها.
عللت اللجنة أن باراغواي انتهكت أيضًا حق المشتكين في الخصوصية والأسرة والمنزل بموجب المادة 17. فقد كان للتسمم تداعيات مباشرة على المحاصيل وأشجار الفاكهة والأسماك ومياه الشفة والأراضي وغيرها من جوانب حياتهم. ولما كان هؤلاء المزارعون يعتمدون على أراضيهم في معيشتهم، فإن أراضيهم ومحيطهم المباشر يقعون ضمن حمايات الخصوصية والإقامة المنصوص في المادة 17. أخيرًا، لا تقتصر حمايات المادة 17على الحماية من التسرب. إذ يتعين على الدول أيضًا أن تحترم الحق في الحماية من التهديدات المتوقعة إلى حد مقبول. استنتجت اللجنة أنه "حينما يكون للتلوث انعكاسات مباشرة على حق الفرد في الحياة الخاصة والأسرية والمنزل، وحينما تكون الانعاكاسات الضارة لهذا التلوث خطيرة بسبب شدتها أو مدتها وما تخلفه من ضرر الجسدي أو عقلي، عندئذٍ قد يؤثر تدهور البيئة سلبًا على رفاهية الأفراد ويعد انتهاكًا للحياة الخاصة والأسرية والمنزل."
في الختام، لما كانت باراغوي أخفقت في إجراء تحقيقات كافية، وإدراج الأدلة الطبية، ومحاكمة بعض الأطراف، ووقف عمليات التبخير، وتنفيذ النتائج التي توصلت إليها الاجراءات القضائية الداخلية، فإن الدول قد انتهكت حقوق المشتكين في سبل الانتصاف الفعال.