من المتوقع أن تصادق الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني على كراسة الشروط الخاصة بالتفاوض حول اتفاقية إطارية للتعاون الضريبي الدولي، في خطوة بارزة ضمن مبادرة تاريخية تسعى إلى نقل عملية وضع المعايير العالمية للتعاون الضريبي من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تعكس مصالح 38 دولة صناعية رئيسة، إلى الأمم المتحدة حيث تتمتع كل دولة بحق التعبير عن صوتها.
بصفتنا مجموعة منظمات مجتمع مدني تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والعرقية والمناخية، نهيب بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية دعم عملية الأمم المتحدة وتقديم إجابة جادة للمخاوف التي أثارها خبراء الأمم المتحدة والمجتمع المدني. فقد حذّر هؤلاء من أن “الحل المكوّن من ركيزتين” الذي تقترحه المنظمة لمعالجة التهرب من الضرائب عبر الحدود قد يمس حقوق الإنسان في البلدان النامية.
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، خطّ فريق مكون من ثمانية خبراء حقوقيين أمميين، من بينهم الخبير المستقل المعني بالديون الخارجية وحقوق الإنسان، والمقرر الخاص المعني بالعنصرية، والمقرر الخاص المعني بالحق في الغذاء، رسالة تاريخية موجهة إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. حملت الرسالة في طياتها تحذيرًا من التداعيات السلبية على حقوق الإنسان الناجمة عن “الاقتراح المكوّن من ركيزتين” الذي طرحته المنظمة. فقد حذّر الخبراء من أن إصلاحات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد تؤدي إلى تعميق التفاوت العرقي وتفاقم انعدام المساواة بين الجنسين داخل الدول وفيما بينها، مع حرمان البلدان الفقيرة في الجنوب العالمي من الموارد المالية التي هي بأمسّ الحاجة إليها لضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لشعوبها. وكشفت الرسالة بوضوح عن التأثيرات السلبية لهذه الإصلاحات على دول الجنوب العالمي غير البيضاء، موضحة أنها تعرقل حقها في التنمية، وتزيد من وطأة الفقر، وتعزز ترسيخ عدم المساواة.
في أغسطس/آب، صادقت لجنة متخصصة، أُنشئت بناءً على قرار قدمته مجموعة أفريقيا، على شروط المفاوضات بأغلبية ساحقة، حيث حازت على تأييد 110 دول، مقابل امتناع 44 دولة عن التصويت واعتراض 8 دول. وتميزت هذه الشروط بإدراج الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان واحدًا من الأهداف الأساسية للاتفاقية. وبينما امتنعت غالبية دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عن التصويت، أعربت بعض الدول عن معارضتها للاقتراح. لطالما سعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى تقويض الإصلاحات التي تتماشى مع الحقوق عبر عملية الأمم المتحدة. وخلال جلسات اللجنة المتخصصة، زعمت بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن عملية الأمم المتحدة ينبغي تظل مكملة للإصلاحات المتوازية التي تقدمها المنظمة، مشيرة إلى أن عملية الأمم المتحدة ترقى إلى التكرار. كما أصرّت على أن يكون التوصل إلى اتفاق بالإجماع – وهو المعيار الذي من شأنه أن يسمح لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية باستخدام حق النقض بطريقة غير مباشرة.
بصفتنا مجموعة من المنظمات الناشطة في مجالات العدالة الاجتماعية والاقتصادية والعرقية والمناخية، بعثنا برسالة إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في مايو/أيار، نطالب فيها بتقديم رد جاد على الحجج والأدلة التي قدمها خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة. كما دعونا المنظمة إلى الالتزام بإجراء تقييمات شاملة للأثر المحتمل “للمقترحات المكوّنة من ركيزتين” على حقوق الإنسان، مع التركيز على الآثار العرقية والجندرية المحتملة.
تلقينا ردًا غير مُقنع من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تمسكت بمواقفها معلنة أنها “ملتزمة تمامًا بآليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة”، و”تدعم المساواة بين الجنسين”، و”تحارب جميع أشكال التمييز”. وزعمت المنظمة أن ضريبة الحد الأدنى العالمية للشركات ستفيد الدول في الجنوب العالمي، من دون أن تقدم أي دليل يدعم هذا الادعاء. كما أكدت أنه نظرًا لكون لكل دولة “الاختيار السيادي” في تحديد ما إذا كانت ستشارك في الإصلاحات الضريبية، فمن الجائر اتهامها بارتكاب أي نوع من المخالفات.
في أغسطس/آب، قدمنا ردنا إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مؤكدين الآثار السلبية لمقترحاتها المكونة من ركيزتين على دول الجنوب العالمي. وكان من أبرز هذه المخاوف احتمال أن تؤدي ضريبة الشركات الدنيا العالمية التي تفرضها المنظمة إلى سباق نحو القاع، بالإضافة إلى محدودية العائدات التي يمكن جمعها، وفشل المنظمة في التعامل مع الأدلة التي تشير إلى التأثيرات السلبية العنصرية والجنسانية لمقترحاتها.
كما عبرنا بوضوح عن قلقنا العميق حيال غياب الديمقراطية في عمليات الإصلاح الضريبي التي تجريها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والتي تجاهلت مرارًا المصالح الخاصة لبلدان الجنوب العالمي. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، دفع دول الجنوب نحو اتباع مقاربات مختلفة في مجال الضرائب الدولية، مثل الضرائب الموحدة ورفع عتبة ضريبة الشركات الدنيا، بما يضمن تخصيصًا أكثر عدالة لحقوق الضرائب ومعالجة أوجه عدم المساواة المتجذرة في البنية المالية الدولية. كما أشرنا إلى كيفية تجاوز منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لسيادة الدول، لا سيما في الجنوب العالمي، واستخدامها تكتيكات قسرية لضمان الامتثال لمعاييرها.
لم تلقَ رسالتنا الثانية أي رد من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حتى الآن، مما اضطرنا إلى نشر هذه المراسلات عملًا بالمبادئ العالمية للشفافية والمساءلة.
تولت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مسؤولية قيادة عمليات الإصلاح الضريبي العالمية لأكثر من ستة عقود، بعد أن أسندتها إليها مجموعة محدودة من الدول القوية في فترة ما بعد الاستعمار. وقد أوضحنا في سياقات أخرى أن إنشاء هذه الملاذات الضريبية، التي تعد جزءًا أساسيًّا من نظام استغلال الضرائب الدولية الذي يسهم في استنزاف 492 مليار دولار من الإيرادات الضريبية سنويًّا، كان أيضًا نتيجة مباشرة لإنهاء الاستعمار.
لقد ولى زمن هذا النهج الاستعماري الجديد في إدارة الحوكمة الضريبية العالمية. وكان خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة على حق عندما أشاروا إلى أن العملية التي تقودها الأمم المتحدة تمثل “فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر” لإصلاح البنية المالية الدولية، بحيث تصبح ملائمة للأهداف المنشودة وقادرة على معالجة الأزمات المتعددة التي نواجهها في عصرنا، بما في ذلك أزمات الديون، والمناخ، والفقر، وعدم المساواة، وهي أزمات تؤثر جميعها بدرجات متفاوتة وغير متناسبة على بلدان الجنوب العالمي.
لم يعد مقبولًا أن تقتصر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على إطلاق تعهدات لفظية بشأن حقوق الإنسان؛ بل أصبح لزامًا عليها أن تثبت التزامها الفعلي بالحوكمة الاقتصادية العالمية التي تعزز الكرامة الإنسانية لجميع الأفراد على سطح هذا الكوكب.
الموقّعون:
مركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
تقديرات الإيرادات الحكومية والتنمية (غراد)
المجموعة الدولية لحقوق الأقليات
ستيفن دين، أستاذ القانون في جامعة بوسطن (وقع بصفته الشخصية)