Summary
أدانت المحكمة الابتدائية مستأنِفة الدعوى "إي أل" بموجب البند 192 من قانون العقوبات في ملاوي بتهمة التورط غير القانوني (عن طريق الإهمال) في عمل يُحتمل أن ينشر مرضًا يهدد الحياة. يُذكر أن مقدمة الطعن أم لأربعة أطفال لم تتجاوز الـ26 من العمر وهي مصابة بفيروس نقص المناعة البشرية. واستند الادعاء في اتهامه إلى حجة المستأنِفة أقدمت "عن علم وعن إهمال وعلى نحو غير مشروع" على إرضاع طفلها صاحب الشكوى، الذي تُرك لها أمر رعايته. وكانت "إي أل" تخضع لعلاجات مضادة للفيروسات الرجعية حين وقوع الحادث.
وقد أقرت المستأنِفة بذنبها أثناء المحاكمة وحُكم عليها بالسجن مدة تسعة أشهر مع الأشغال الشاقة. بيّد أنها طعنت لاحقًا الحكم و/أو إدانتها أمام المحكمة العليا في ملاوي إستنادًا إلى أمرين: أولهما إن البند 192 من قانون العقوبات غير دستوري لأنه مبهم وفضفاض وثانيهما إنّ الإدانة لا تستند إلى أسس صحيحة ذلك أن لائحة الاتهام غير واضحة، وقد تعذّر على الإدعاء، على نحو لا يدع مجالًا للشك، إثبات عناصر صحة الجريمة بموجب الحكم ذي الصلة. وزعمت في المقابل إن الحكم بالسجن لم يأخذ بالأسباب المخففة، وعليه يُعد مفرطًا على نحو جليّ.
دعمت المستأنِفة دعواها بتقديم شهادة من خبيرة تبيّن أن نسبة خطر انتقال العدوى عن طريق حليب الأم التي تخضع لعلاجات مضادة للفيروسات الرجعية لا تتعدى الواحد من المئة. علاوة على ذلك، قالت "إي أل" إنه لم يكن ثمة دليل يؤكد أنها نقلت فيروس نقص المناعة البشرية إلى الرضيع الذي تلقى العلاج الوقائي بعد التعرض للفيروس وجاءت نتيجة اختبار فيروس المناعة البشرية سلبية. أخيرًا، زعمت "إي أل" تعذر إمكانية نقلها لفيروس نقص المناعة البشرية عن علم، وذلك وفقًا للمبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية لعام 2016، والمبادئ التوجيهية الصادرة عن وزراة الصحة في ملاوي والتي تؤكد أن الرضاعة الطبيعية من النساء المصابات بفيروس نقص المناعة البشرية آمنة وتوصي بها.
رأت المحكمة العليا أن التهمة الموجهة إلى المستأنِفة اتسمت بالغموض على نحو لا لبس فيه. وأبرزت أن الجريمة المنصوص عليها في المادة 192 من القانون تشتمل على ثلاثة عناصر وهي عدم المشروعية أو الاهمال أو التهور، وتترتب على كل واحدة منها آثار مختلفة في القانون الجنائي. لذا، ولما كان الدعاء اتهم "إي أل" بالسلوك غير المشروع والمتسم بالإهمال من غير الفصل بين عناصر كل تهمة، رأت المحكمة العليا أن الالتماس الذي تقدمت به المستأنفة كان حسن النية، وأن الادعاء لم يثبت عناصر أي من الأفعال الجرمية.
درست المحكمة بإيجاز حقوق المستأنِفة في الكرامة (المادة 19) والخصوصية (المادة 21) المنصوص عليهما في الدستور في ضوء استخدام إصابة المستأنِفة بفيروس نقص المناعة البشرية وخضوعها للعلاج دليلًا في المحكمة. وأوضحت المحكمة أنه يتعين على الشرطة والمحاكم لدى حصولها على هذه المعلومات والاعتراف بها أدلةً، إيلاء حماية حقوق المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية عناية خاصة.
وأكدت المحكمة العليا أيضًا أنه لا ينبغي تطبيق القانون الجنائي في القضايا التي لا تنطوي على احتمال كبير لانتقال العدوى أو حيثما يكون الشخص يجهل أنه مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية، ويجهل كيفية انتقال الفيروس، أو أنه لم يفصح عن إصابته بالفيروس خوفًا من العنف أو أي عواقب سلبية خطيرة أخرى. وشددت المحكمة على ضرورة أن يكفل النظام القانوني في ملاوي اتساق القضايا الجنائية التي تزعم نقل فيروس نقص المناعة البشرية مع التزامات ملاوي الدولية في مجال حقوق الإنسان التي تنص على" وجوب أن لا يغفل القانون، بصورة أساسية وفي عصر حقوق الإنسان الذي نعيشه، الدفاع عن حقوق المُدعى عليه في الخصوصية والكرامة ومراعاة الأصول الاجرائية الواجبة في محاكمته.
علاوة على ذلك، لم تكتف المحكمة العليا بتأكيد المصالح الفضلى للطفل وحسب، بل أيضًا تطرقت أيضًا إلى أثر الأحكام بالسجن على النساء اللاتي لديهن أطفال. فذكرت المحكمة، على وجه التحديد، أن "حبس المرأة مع طفلها ينبغي أن يكون الحل الأخير الذي تلجأ إليه أي محكمة..." ودعمًا لهذه الفكرة سلطت المحكمة الضوء على قواعد الأمم المتحدة لمعاملة السجينات والتدابير غير الاحتجازية للمجرمات باعتبارها نقطة مرجعية للمحاكم في ملاوي.
وفي الختام، أعلنت المحكمة أن "الاجراءات المتبعة في المحكمة الابتدائية تنطوي على مخالفات إجرائية ومنها التحيز الفاضح" (الفقرة5.1)، ما أدى إلى صدور حكم "مغالى فيه على نحو مفرط" (الفقرة4.26)، ورأت أن حق المستأنِفة في محاكمة عادلة قد أُخّل به. لذلك، أعلنت المحكمة مخالفة الإدانة للقانون ومن ثمّ بطلانها، وأمرت بالإفراج السريع عن المستأنفة، مستندة في حكمها هذا إلى الحقوق الدستورية ومبادئ القانون الجنائي الأساسية. تجدر الإشارة إلى أن الادعاء وافق على وجوب إسقاط الحكم الصادر بحق المستأنِفة وإلغاء إدانتها.
أما في ما يتعلق بالشكوى الدستورية التي رفعتها المستأنِفة، أقرت المحكمة العليا أن المستأنفة تملك حجة قانونية مقنعة غير أنها رفضت النظر في المسألة، وأوصت بدلًا من ذلك بإحالة الدعوى للبت فيها بصورة منفصلة باتباع الإجراءات السليمة.