يشارك
الخميس, يناير 12, 2023
يشارك

في خضم أزمة ثلاثية الأبعاد تحيق بكوكب الأرض (تغيّر المناخ والتلوّث وفقدان التنوّع البيولوجي) وما تحمله من مخاطر وجودية وآثار مدمرة تمس الحقوق الإنسانية لمليارات البشر في شتى المناطق، يتسم الاعتراف العالمي الصادر في عام 2022 بحق الإنسان في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة بأهمية خاصة.  قيل في هذا الحق إنه يوفر “حواجز أمان حيوية”في مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان والضرر البيئي. كان للعمل المستفيض الذي انخرطت به منظمات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية والشعوب الأصلية، بما في ذلك أعضاء الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، دورًا مهمًا في ضمان هذا الاعتراف. لكن من المهم الآن أن نتطلع إلى التنفيذ وكيف سيدعم هذا الاعتراف إعمال هذا الحق للجميع، ولا سيما الفئات الأشد احتياجًا إليه.

اعتراف الأمم المتحدة دعوة مهمة للغاية إلى الدول للاعتراف بأن البيئة تنطوي على عناصر أساسية من غيرها لن يكون وجودنا على الكوكب ممكنًا. إن الدساتير جميعها في القارة تعترف بالفعل بالبيئة الصحية باعتبارها حقًا من الحقوق يُطالب به المواطنون يوميًا عن طريق آليات مختلفة. مما لا شك فيه أن الخطوة المتخذة تعزز هذه الجهود وتدفعنا نحو بناء مجتمعات يكون فيها هذا الحق حقيقة واقعة.
— Liliana Avila – AIDA

في الثامن والعشرين من تموز/يوليو 2022، تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتصويت مسجّل قرارًا يعترف “بالحق في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة باعتباره حقا من حقوق الإنسان”، ودعت الدول وغيرها من الجهات المعنية ذات المصلحة إلى اعتماد سياسات وتعزيز التعاون من أجل ضمان هذا الحق الإنساني للجميع. (أيّدت القرار 161 دولة؛ وامتنعت ثماني دول عن التصويت هي: بيلاروسيا، كمبوديا، الصين، إثيوبيا، إيران، قيرغيزستان، سوريا، وروسيا الاتحادية، فيما لم تعارضه أي دولة). يؤكد القرار،  من جملة أمور، أنّ بيئة نظيفة وصحية ومستدامة مهمة لتمتع أجيال الحاضر والمستقبل بجميع حقوق الإنسان؛ ويسلّم بآثار الأضرار البيئية غير المتناسبة على حقوق الإنسان للنساء والفتيات وبأهمية المساواة بين الجنسين؛ ويشيد بالدور الحيوي للحق في المعلومات، والحق في المشاركة، والحق في الانتصاف الفعّال في حماية بيئة نظيفة وصحية ومستدامة.

أشادت ليليانا أفيلا، كبيرة المحامين في برنامج حقوق الإنسان والبيئة  في رابطة البلدان الأميركية للدفاع عن البيئة، وعضو المجموعة الاستشارية  للفريق العامل المعني بالبيئة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الشبكة العالمية، بالقرار قائلةً إن “اعتراف الأمم المتحدة دعوة مهمة للغاية إلى الدول للاعتراف بأن البيئة تنطوي على عناصر أساسية من غيرها لن يكون وجودنا على الكوكب ممكنًا. إن الدساتير جميعها في القارة تعترف بالفعل بالبيئة الصحية باعتبارها حقًا من الحقوق يُطالب به المواطنون يوميًا عن طريق آليات مختلفة. مما لا شك فيه أن الخطوة المتخذة تعزز هذه الجهود وتدفعنا نحو بناء مجتمعات يكون فيها هذا الحق حقيقة واقعة.”

جاء قرار الجمعية العامة عقب نص مماثل اعتمده مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2021، فكان الاعتراف الرسمي الأول بالحق على المستوى العالمي.

رحّب ليغبورسي سارو بياغبارا، المدير التنفيذي لمؤسسة الشعوب الأصلية الأفريقية للطاقة والتنمية المستدامة، والرئيس السابق لحركة بقاء شعب أوغوني وعضو المجموعة الاستشارية للفريق العامل المعني بالبيئة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الشبكة العالمية، بقرار مجلس حقوق الإنسان بهذه العبارات: “يمثل اعتماد هذا القرار اليوم بشأن الحق في بيئة صحية نقطة تحوّل في الجهد العالمي الرامي إلى إصلاح البيئة وحماية الطبيعة الأم/الأرض. إن الأشجار في أوغونيلاند تفيض بالطاقة المتجددة والسعادة. وتزمجر المياه بصيحات الفرح والأرض تبتسم مجددًا لتشفينا وتحيينا وتحمينا جميعًا. تولّد البيئة الآمنة والصحية شعبًا ينعم بالصحة والرخاء. إنها لحظة انتصارنا. ولا بدّ أن تقترن مسيرة التقدّم المحرز بإجراءات عاجلة تتخذها الدول القومية لإقرار عهد ملزم يهدف إلى تقنين الحق العالمي في بيئة صحية”

استندت القرارات إلى جهود بُذلت على مدى أكثر من أربعين عامًا ابتغاء الاعتراف بحق الإنسان في بيئة آمنة ونظيفة وصحية ومستدامة في القانون الدولي. فقد أسهمت قيادة مجموعة أساسية من الدول تضم كوستاريكا والمالديف والمغرب وسلوفينيا وسويسرا جزئيًّا في تحقيق ذلك، حيث قادت الجهود الدبلوماسية في مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة. لكنّ الأهم من ذلك أنّ الشعوب الأصلية والحركات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني مارست خلال عقود من النضال دورًا رئيسًا، عن طريق حملة الحق في بيئة صحية العالمية وجملة أمور أخرى. ففي سبتمبر/أيلول من عام 2020 أطلقت الحملة دعوة عالمية إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للاعتراف بالحق في بيئة آمنة ونظيفة وصحية ومستدامة بلا أدنى تأخير. حصدت هذه الرسالة تواقيع أكثر من 1350 منظمة من 75 دولة. حشدت الحملة على نطاق واسع، وشاركت أيضًا في الدعوة السياسية والاتصالات الاستراتيجية. كانت الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية جزءًا جوهريًّا في هذه الحملة منذ تموز/يوليو 2020 وحتى اليوم، حيث قدّمت الدعم الفني والاستراتيجي واللوجستي في المجالات الرئيسة. وبعد اعتراف مجلس حقوق الإنسان، واصلت الحملة عملها لتحقيق نتيجة مماثلة في الجمعية العامة، وهذا الأمر أسهم في نجاح تبني القرار الآنف الذكر.

على الرغم من أن الغالبية العظمى من الدول أدرجت بالفعل الحق في بيئة صحية في دساتيرها وقوانينها، واعترفت الأنظمة الإقليمية به صراحةً، إلا أن الاعتراف العالمي بهذا الحق يمثل اليوم إنجازًا تاريخيًّا في القانون الدولي لحقوق الإنسان. يُمكن أن تشجع الاتفاقات الدول وسائر الجهات المعنية ذات المصلحة وتحفزها على مضاعفة الجهود الرامية إلى جعل هذا الحق حقيقة واقعة، عن طريق إدماجه في القانون المحلي وإنفاذه وجملة إجراءات أخرى. ثمة قرار مماثل يعترف بالحق في الصرف الصحي والمياه النظيفة اعتمد في عام 2010، دفع الدول في شتى أنحاء العالم إلى تضمين الحق في المياه في دساتيرها. نأمل أن يُحفز هذا الاعتراف العالمي بالحق في بيئة صحية، انسجامًا مع الاتساق القانوني والسياسي، على تضمين هذا الحق في المزيد من القوانين والسياسات على المستويين الوطني والإقليمي، وأن يشجع على إعماله إن كان معترفًا به بالفعل، وأن يوفر أداةً إضافية يستخدمها النشطاء والمنظمون في الدفاع عن حقوقهم وعن البيئة، وأن يُنشئ ربما سبل جديدة لتعزيز المساءلة.

رحّب أعضاء الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بهذا التطوّر المعياري، وما فتئوا ملتزمين بالبناء على هذا القرار فضلًا عن السوابق القضائية الأخرى ذات الصلة لدمج هذا الحق في العمل القانوني والسياسي، على سبيل المثال عن طريق دعم الدعوة الناجحة التي قادها المجتمع المدني لإدخال الحق في القرار الشامل الصادر عن الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف COP27 (المعروف بخطة شرم الشيخ للتنفيذ)، وتسليط الضوء على هذا الحق في مرافعات صديق المحكمة الجماعية في قضية لا أورويا المتعلقة بالظلم البيئي والتي لا تزال قيد النظر أمام محكمة البلدان الأميركية لحقوق الإنسان. مع ذلك، يُدرك أعضاء الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أن حماية البيئة على النطاق الضروري لرفاه البشر والكوكب تتطلب أطرًا قانونية متينة، من قبيل المعاهدة الملزمة لمساءلة الشركات (نظرًا لدور المؤسسات التجارية الكبير في أزماتنا البيئية)؛ وحلولًا نظامية تشمل معارضة نماذج التنمية الاستخراجية الحالية التي تدمّر البيئة؛ ونماذج بديلة تُستمد من الواقع المعاش للحركات الاجتماعية “لنؤكد روابطنا ومسؤولياتنا المشتركة تجاه الأجيال المقبلة، وضمان استدامة البيئة، وتهيئة مساحة لتقرير المصير واستعادة الحرية.